يعتبر هذا اللقاء إنجازاً إماراتياً مهماً في مساعيها نحو مكافحة التطرف والإرهاب، لأنه يعمل على حد أحد مبررات المتشددين نحو إقصاء الآخر.
يجب على الرأي العام العالمي، بجميع دياناته، التأمل جيداً فيما يحدث هنا في دولة الإمارات خلال هذه الأيام، حيث أعلنت أولى مبادرات عام 2019 -الذي سمي بعام التسامح- المتمثلة في عقد لقاء بين أكثر الديانات انتشاراً في العالم، الإسلام والمسيحية، تعتنقها البشرية. فهي قمة الاعتراف المتبادل بأحقية كل طرف بالعيش المشترك وبحرية ممارسة معتقداتهما على اعتبار أن الإرهاب والتطرف لم يكن من طرف واحد قط، ففكرة الجلوس بين أكبر ممثلي الديانتين هو بمثابة شق طريق نحو إنجاز فكري للتحاور من أجل التقريب بين الإنسانية.
ينظر المحبون لثقافة التعايش إلى دولة الإمارات في الكثير من مشروعاتها الإنسانية على أنها مثال للتفاؤل العالمي خاصة في منطقة الشرق الأوسط لأنها دائما ما تفاجئ الرأي العام العالمي بأفكار من "خارج الصندوق"، وفي اتخاذ قرارات جريئة في محاربة الأفكار التي تعمل على إقصاء وتهميش الآخر
إن التواصل بين الأزهر الشريف، ممثل الإسلام المعتدل، لا سيما فضيلة الإمام أحمد الطيب المعروف بانفتاحه على الثقافات الأخرى وبين بابا الكنيسة الكاثوليكية، الذي يعتبر أب المسيحية، موجود في تاريخ التعاون بين الديانتين ويعرفه الكثيرون. ولكن هذا اللقاء تحديداً، يعتبر مختلفاً من حيث رمزية التوقيت والمكان؛ ذلك لأنها رسالة مودة ودعوة مشتركة لخلق حوار بين الديانتين في إقليم يعتبر الأصعب في العالم في هذا الموضوع، فهي ليست زيارة روحية فقط وإنما لها حسابات تتجاوز تلك الأبعاد لتصل إلى الدور الذي تمارسه دولة الإمارات في خدمة الإنسانية منذ أكثر من سبعة عقود.
يعتبر هذا اللقاء إنجازاً إماراتياً مهماً في مساعيها نحو مكافحة التطرف والإرهاب، لأنه يعمل على حد أحد مبررات المتشددين نحو إقصاء الآخر.
إن الأجواء المرافقة لهذا اللقاء تؤكد نجاحه، وذلك بفضل طبيعة الشخصيتين الإمام الأكبر فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الطيب، والحبر الأعظم قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، الحريصين على الانفتاح والتوافق، وهو ما له دلالته في التقليل من أسباب الاحتدام والاختلاف، وبفضل جدارة دولة الإمارات لا سيما شخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الذي يمتلك الشجاعة السياسية في الكثير من المواقف التي تحقق الاستقرار والسلم الإنساني وفي تأصيل قيم الحوار والتعايش كثقافة وأسلوب حياة، والتي يتردد الكثيرون في الخوض فيها أو المساس بها.
ينظر المحبون لثقافة التعايش إلى دولة الإمارات في الكثير من مشروعاتها الإنسانية على أنها مثال للتفاؤل العالمي، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، لأنها دائما ما تفاجئ الرأي العام العالمي بأفكار من "خارج الصندوق"، وفي اتخاذ قرارات جريئة في محاربة الأفكار التي تعمل على إقصاء وتهميش الآخر، منطلقين من قناعات ومعتقدات تعتبر نمطية وليس لها وجود في زمن "العولمة الإنسانية"، لذا تظهر دولة الإمارات وكأنها "تخلص الإنسانية" من الأفكار المثيرة للشك، بل تبهرهم في قدرتها على التأثير في دول المنطقة الأخرى. وهو ما تفتقده الإنسانية في العالم، نظراً لأن التحولات السياسية الكبرى في العالم هي نتيجة قيادة سياسية ودينية قوية تخاطب الواقع، لأن التردد يعود بضرر أكبر على الإنسانية والقيم العالمية.
كقاعدة عامة، تتناسب مكانة دولة الإمارات الإنسانية طردياً مع أعمالها على أرض الواقع حالياً من ترتيبات دينية مثل: اعتدال الخطاب الديني وتنظيم عملية استخدام منابر المساجد والسماح للأديان الأخرى بممارسة شعائرها الدينية. هذا إلى جانب الفعاليات الحضارية الأخرى مثل: استضافة متاحف عالمية مثل اللوفر وجوجنهايم وإنشاء جامعات عالمية وفتح حوارات مع الديانات الأخرى، كما يحدث خلال هذه الأيام، وتقديم الدعم للدول الأخرى بما يخدم السلم المجتمعي مثل إعادة ترميم بعض المعالم الدينية، مثل إعادة ترميم منارة جامع النوري في الموصل وغيرها من الأعمال الإنسانية. هذه الأعمال جعلت من الإمارات دولة قوية في مواجهة الأفكار المتطرفة وذات ثقل في التأثير على السياسات العالمية لأنها تنطلق من أرضية كسب "القلوب" وهو الأبقى لدى الناس، وجعلها على ارتباط مع الإنسان العادي حتى وإن كان للمتطرفين رأي مختلف لأنها تدمر مشروعاتهم التخريبية.
حينما يدرك الناس أن لقاء بين أكبر قيادتين دينتين يجتمعان على أرض دولة الإمارات وبدعم صريح وواضح من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي القائد الأعلى للقوات المسلحة، فإن ذلك يجعلهم يتفاءلون بنتائجها المستقبلية لأنهم يدركون أنهم أمام شخصية سياسية استثنائية في خدمة الإنسانية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة