الدول المتقدمة تعاملت بشيء من التردد والإهمال وعدم الإسراع في نقل رعاياها، ما جعل الكثير من الشعوب ترى أنها لم تُعامل بالمستوى المطلوب
لم تقتصر التحديات التي أثارها فيروس "كورونا" على الجانبين الصحي والاقتصادي بل تعداهما إلى كثير من التحديات ولا سيما التحدي السياسي بشقيه الداخلي والخارجي، إلا أن التبعات السياسية الخارجية التي يثيرها الفيروس، مازال من المبكر - إلى حد ما - الحديث عنها.
أما على الصعيد السياسي الداخلي فقد ظهرت إرهاصاته منذ اليوم الأول لانتشار الفيروس والذي يمكن إلقاء الضوء عليه من خلال طرق تعامل الحكومات مع هذه الجائحة على منحيين رئيسين كان لهما صدى كبير في الأوساط الشعبية الداخلية.
المنحى الأول: وهو التحدي الأبرز الذي واجه العديد من الدول ولا سيما البلدان الضعيفة اقتصادياً والذي برز من خلال التساهل أو إهمال تأمين تلك الدول لقضية إجلاء رعاياها أو تأمين الوسائل المناسبة لإعادتهم من بلدان الاغتراب إلى أوطانهم في ظل الحجر العالمي الذي فرضه فيروس كورونا.
لا شك أن جائحة "كورونا" إلى زوال طال الوقت أو قصر ومما لاشك فيه أيضاً أن نتائجها كارثية لما حصدته من ضحايا حول العالم إلا أن ما بعد كورونا لن يكون كما قبلها
ولا مجال هنا لذكر كل تلك الدول التي لا سبيل لحصرها، بل إن هذا الأمر لم يقتصر عليها فحسب، بل أن الدول المتقدمة تعاملت بشيء من التردد والإهمال وعدم الإسراع في نقل رعاياها، الأمر الذي جعل الكثير من الشعوب ترى أنها لم تُعامل بالمستوى المطلوب من قبل حكومات بلادهم كما حدث مع بعض الدول على المستوى العربي في ظل أزمات اقتصادية وسياسية تعاني منها.
لذلك لم يَلقَ ذلك الإهمال الحكومي صدى عالمياً أو عربياً كبيراً على غرار ما حدث إثر تغريدة السفارة البريطانية في الكويت رداً على طلبات مواطنيها لمساعدتهم والعمل على إجلائهم من دولة الكويت، فأجابتهم السفارة البريطانية بتغريدة على حسابها الرسمي على "تويتر" بأن من لا يستطيع مساعدة نفسه من البريطانيين عليه الاقتراض من العائلة أو الأصدقاء أو اللجوء إلى الجمعيات الخيرية الكويتية الأمر الذي سبب استياء عالميا وليس بريطانياً فحسب حتى اضطرت السفارة لحذف تغريدتها.
المنحى الثاني: وهو المنحى الأهم الذي بات بمثابة صدمة للعالم أجمع في مواجهة الجائحة القاتلة، والتي تمثلت بالفشل السياسي والإداري لإدارة الأزمات، ولا سيما في دول العالم المتقدم المتربع على عرش الرفاهية العالمية والتكنولوجيا والتطور العلمي والوعي الاجتماعي، ليضع تلك الإدارات والأحزاب السياسية والمؤسسات الصحية والخدمية على مشرحة المواطن السياسية الذي بات مذهولاً من ذلك الفشل الذريع في التصدي للفيروس.
بل حتى وإن كان مسلّماً بأن هذه المسألة طارئة والعمل جارٍ على قدم وساق لاحتوائها، إلا أن أكثر ما أثار الدهشة هو عدم قدرة تلك الحكومات على تأمين أبسط المستلزمات من مواد التعقيم والأقنعة الواقية التي باتت شبه معدومة في الدول المتقدمة.
وباتت وسائل التواصل الاجتماعي تعج بمقاطع مصورة عن سكان يتقاتلون من أجل الحصول على مواد معقمة من المتاجر وفي عدة دول متقدمة مثل "بلجيكا".
كما أن الولايات المتحدة تعاني من نقص حاد في تلك المواد، الأمر الذي جعل المواطن الأمريكي يتساءل فيما إذا كان الإنفاق طوال السنوات الماضية على الأسلحة وتمويل الحروب أهم أم العمل على تعزيز الواقع الصحي والاستعداد لمثل هذه الظروف؟ لا سيما وأن هذه الجائحة قبل أن تصل الولايات المتحدة كانت قد ظهرت قبل أشهر في الصين ومن ثم انتشرت في بلدان أخرى قبل أن تصل الولايات المتحدة فأين القوة والجدية في التعامل مع صحة الأمريكيين؟ .
لا شك أن جائحة "كورونا" إلى زوال طال الوقت أو قصر ومما لاشك فيه أيضاً أن نتائجها كارثية لما حصدته من ضحايا حول العالم، إلا أن ما بعد كورونا لن يكون كما قبلها، بل أن العديد من الأنظمة العالمية والأوضاع السياسية ستنقلب ويعاد ترتيبها لما كشفته تلك الجائحة من ترهل سياسي وعدم كفاءة العديد من الحكومات العالمية في التصدي لمثل هذه الظروف ولا سيما في بلدان العالم الأول.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة