هذه الأيام، لا حديث يعلو في الأوساط العالمية عن حديث أزمة نقص الغذاء وأهمية تقنين الاستهلاك باعتبار أنه أحد تداعيات كورونا المحتملة
ينبغي، هذه الأيام خاصة، الترحيب بأي حديث يدور حول ترشيد الاستهلاك للموارد أياً كان نوعها، وإن كان بشكل أخص استهلاك الغذاء والإسراف فيه.
هناك مبررات كثيرة تجعل مثل هذا نوع من الحديث محل تقدير حالياً من تلك المبررات، لها علاقة بتطورات الوضع الدولي المتعلقة بأزمة فيروس كورونا، التي تتوعد العالم بأزمة غذاء.
بعضها لها علاقة بثقافة المجتمعات العربية والخليجية ومنها دولة الإمارات طبعاً، ويمكن أن يكون لهذا الكلام أهمية من الزاوية الاقتصادية أيضاً، المتعلقة بدخل الأسرة الذي يؤدي في عدم انضباط السلوكيات الشرائية إلى مشاكل على كافة أفراد الأسرة، كما يمكن الحديث عن الموضوع من زاوية الثقافة الدينية حيث تأمرنا كل الأديان بعدم الإسراف لأن لها بعد إنساني وقيمه.
هذه الأيام، لا حديث يعلو في الأوساط العالمية عن حديث أزمة نقص الغذاء وأهمية التقنين في الاستهلاك باعتبار أنه أحد تداعيات فيروس كورونا المحتملة
صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة عقّب، مؤخراً، على محاضرة، معالي مريم المهيري وزيرة الأمن الغذائي في دولة الإمارات التي سلطت فيها الضوء على مفهوم الأمن الغذائي الذي يمثل أولوية وطنية خاصة أثناء الأزمات والتحديات.
وقد وجه سموه في مداخلته التي لامست عادة مجتمعية تحتاج إلى مراجعة حقيقية من كل أفراد المجتمع وهي: أهمية ترشيد الاستهلاك في كل الموارد خاصة الغذاء وعدم الإسراف فيه، ولكنه في مقابل ذلك شدد إلى أن الإسراف في العمل الخيري عمل محمود ونشجع عليه ما يؤكد البعد الإنساني في الظاهرة.
وأتبع سموه مداخلته بأهمية تعميم ثقافة عدم الإسراف على جميع أفراد المجتمع من منطلق أن أي سلوك بدون توعية أفراد المجتمع هو بلا نتيجة لأنهم الشريحة المعنية بتغير ومراجعة ما يفعلونه من عادات، وفي ظل الأزمة الحالية التي بدأت منظمة الغذاء العالمي تشتكي من نقص الأغذية فإن المجتمع يشمل كل أفراد المجتمعات العالمية، أو هكذا أفهم.
لسببين: الأول، لشخصية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الذي استطاع أن يقدم دروساً تجاوزت دولة الإمارات في إدارة الأزمة، ولقيت إشادات عالمية. والآخر، أن ظاهرة الإسراف عالمية ولا تقتصر على مجتمع معين وإن كان تبرز في مجتمع إلى الآخر ولكنها حالة عالمية.
وقد استوقفت المداخلة العديد من الناس من خارج الدولة انطلاقاً ما يمثله سموه من مكانة كقائد عربي وانطلاقاً من اهتمامه بالقضايا الإنسانية في أي مكان في العالم، وما زلنا حتى الآن نتذكر تلك المبادرات الإنسانية في بداية انتشار فيروس كورونا وذروتها عندما تراجع الكل إلى الداخل كان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الوحيد يتصل بقادة العالم ليطمئن على شعوبهم ويأمر بتقديم المساعدات.
وهذه الأيام، لا حديث يعلو في الأوساط العالمية عن حديث أزمة نقص الغذاء وأهمية التقنين في الاستهلاك باعتبار أنه أحد تداعيات فيروس كورونا المحتملة، وعادة ما يتبع نقص الغذاء انتشار الجوع وبالتالي طبيعي أن يؤرق الموضوع الرأي العام العالمي كونه من أولوياتهم.
ومع أن دولة الإمارات لا تعاني من مشكلة في الغذاء، بفضل الرؤية الحكيمة لقادتها التي لا تترك الأمور للصدفة وانطلاقاً من استراتيجيتها في الأمن الغذائي، لكنها عودتنا أنها تتعامل مع كل الأزمات العالمية بمنطق الاستحقاقات الدولية أي أنها جزء من هذا الكون وبالتالي لا بد أنها ستتأثر بما يحدث فيه وبالتالي عليها أن تتشارك في المسئولية العالمية بعيداً عن "النظرية الوحدانية" التي بدت تطغي على سلوك دول العالم، وبالتالي فإن الدرس الأول الذي يمكن تقوم به أي قيادة في العالم هو تهيئة شعبها بمسئوليته الإنسانية الدولية. فهذه أفضل طريقة لإدارة أي مرحلة عالمية صعبة، وبالتالي الخروج منها بأقل قدر من الأضرار والخسائر.
لقاءات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مع شعب الإمارات (مواطنون ومقيمون)، سوءاً كانت مباشرة أو من خلال أي وسيلة إعلامية، تأخذ بعداً إنسانياً فريداً يجعل منها حديث الساعة في وسائل الإعلام المختلفة ولمدة أيام لأنها: تناقش قضايا تلامس اهتمامات الناس أينما كانوا في العالم.
والأجمل ما في كلامه، أنه حديث ودي يحرص من خلاله توعية أفراد المجتمع ومناقشة موضوعاتهم بكل شفافية ومصارحة، ليس بصفته قائد وسياسي فقط ولكن بوصفه أباً وأخاً للجميع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة