مليشيات طرابلس تتناحر.. باشاغا يتأهب للانقلاب على السراج
في ظل حرب الصلاحيات المستعرة بين السراج ووزير داخليته فتحي باشاغا، تنضم شخصيات جديدة إلى لائحة خصوم رئيس المجلس.
توسعت دائرة خصوم فائز السراج، زعيم مليشيات العاصمة الليبية طرابلس، لتفاقم التوتر داخل ما يسمى بالمجلس الرئاسي الذي تتقاذفه صراعات تشي بأن الشرخ السياسي العميق يتأهب للخروج عن السيطرة.
ففي ظل حرب الصلاحيات المستعرة بين السراج ووزير داخليته فتحي باشاغا، تنضم شخصيات جديدة إلى لائحة خصوم رئيس المجلس، في مقدمتها نائبه الثاني عبدالسلام كاجمان الذي اصطف بجانب نائبه الأول أحمد معيتيق.
سياقات صعبة تتوسع حوافها بشكل متسارع، وسط تسريبات تتحدث عن انقلاب وشيك يحشد له باشاغا ضد السراج، بمباركة تركية قطرية، في ظل تصاعد منسوب الاحتقان الشعبي في طرابلس وبقية مدن الغرب الليبي.
سجال محموم عبر رسائل متبادلة وتصريحات نارية بين السراج ونائبه الأول أحمد معيتيق، تضمنت انتقادات واتهامات صريحة استبطنت تصعيدا من قبل الأخير يبدو خاضعا لحسابات ومعادلات الصراع المفتوح حول الصلاحيات، والذي تغذيه أنقرة بشكل مفضوح.
وفي رسالة وجهها إلى الليبيين، استغل معيتيق الغضب الشعبي السائد في طرابلس من سياسات السراج، وضرب بقوة مستهدفا باشاغا، مشددا على أن التظاهر من حق المواطنين.
وقال معيتيق إن "أحد أساسات بناء دولة المؤسسات والقانون هو الخروج للتظاهر السلمي تعبيرا عن الرأي وفق القانون المعمول به"، معتبرا أن "احتكار سلطة الفرد المطلقة التي تسببت في الفساد واتخاذ قرارات أدى إلى تدني مستوى الخدمات الأساسية".
وقبلها بأيام قليلة، وجه معيتيق انتقادات لاذعة للسراج، قائلا إنه "لا يملك صفة رئيس مجلس الوزراء، وأن هذه الصفة تؤول لمجلس يتشكل من رئيس مجلس الرئاسة ونوابه ووزيري دولة".
جبهة جديدة يفتحها معيتيق على السراج على خلفية خلافات عميقة بين الرجلين حول آليات اتخاذ القرار بالمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ومجلس الوزراء، والتي تفاقمت خصوصا إثر دعوة السراج لمجلس أمناء المؤسسة الليبية للاستثمار إلى الاجتماع، في قرار منفرد رفضه معيتيق وأيضا النائب الثاني عبدالسلام كاجمان.
باشاغا يستعد للانقلاب
تعددت الجبهات التي تطوق السراج في المرحلة الراهنة، لكن المؤكد هو أن حربه مع وزير داخليته تظل الأكثر شراسة، نظرا لتقاطع أجندة الأخير مع أطراف خارجية تشمل بالأساس تركيا وقطر.
مصادر مطلعة أفادت لـ"العين الإخبارية" بأن باشاغا يتأهب للانقلاب على السراج بمباركة من أنقرة التي كانت تمهد لهذا السيناريو منذ أشهر، لكنها أرجأته للتصدي لتقدم الجيش الوطني الليبي في محاور القتال بطرابلس.
فباشاغا لا يرى أن طموحه يقتصر على تقلد منصب وزير الداخلية المفوض بحكومة السراج، ومهام وزارة الدفاع، كما يدرك جيدا أن رئيس المجلس يرتب لإزاحته، وهذا ما يدفعه لاستثمار مفاتيحه وعلاقاته خصوصا مع أنقرة والدوحة.
أما السراج، فيشعر من جانبه بالتهديد والخوف على منصبه، ويدرك أنه ليس الشخصية التي تريدها أنقرة لاستكمال أجندتها في ليبيا، ولذلك يسعى جاهدا أن يثبت لها العكس وبأنه "رجل المرحلة بامتياز"، والقادر على تعبيد الطريق لها لتحقيق مآربها بالبلد النفطي.
صراع قديم يتجدد
صراع الصلاحيات بين السراج وباشاغا لا يعتبر جديدا، وإنما طفا إلى السطح منذ أشهر، حين بدأت أنقرة تمتعض من فشله في تصدر المشهد الليبي ومنع الجيش الوطني من السيطرة على العديد من محاور القتال حينها في العاصمة طرابلس.
وتدريجيا، تطورت المعركة بين الرجلين لتتحول إلى نزال مباشر على الصلاحيات، حيث دعا السراج، مؤخرا، الوزارات والهيئات والشركات والمؤسسات التابعة لما يسمى بحكومة الوفاق التي يقودها إلى رفض أوامر سابقة وجهها باشاغا إلى وزير المواصلات ميلاد معتوق، احتكر فيها منح تراخيص هبوط وإقلاع وعبور الطيران الخاص، وكذلك الرحلات المنظمة المؤقتة.
وفي مذكرة، أمر السراج بعدم تنفيذ قرار باشاغا بخصوص الحصول على إذن هبوط وإقلاع وعبور الطيران الخاص منه، مشددا على أن منح أوامر الهبوط والإقلاع من اختصاص رئيس الحكومة فقط.
قرار ضرب من خلاله السراج مذكرة وجهها باشاغا في يوليو/ تموز الماضي، إلى معتوق، أمره فيها بعدم منح تراخيص هبوط وإقلاع وعبور للطيران الخاص، إلا بعد أخذ الإذن منه، وهذا ما أثار غضب السراج.
واعتبر المجلس الرئاسي أن أوامر باشاغا تستهدف «منع بعض الصفات العامة من الخروج والدخول وتأخيرهم بشكل يتعارض مع لياقة التعامل مع هذه المراكز والشخصيات»، في رد أعطى مراقبين قناعة راسخة بأن الحرب بين الرجلين خرجت عن السيطرة.
أنقرة تحرك المشهد
ينتمي باشاغا لجماعة الإخوان الإرهابية، وينحدر من مصراتة، كما يوصف بأنه عراب الاحتلال التركي في ليبيا، ما يعني أن الرجل يحظى بدعم تركي قطري يجعله ماسكا بالكثير من أوراق اللعبة، وهو المطلع على جميع تفاصيلها من البوابة التركية، كما أن لقاءه مع وزيري الدفاع التركي والقطري، يشي بأن توازنات طرابلس ستنقلب قريبا رأسا على عقب.
وبناء على ما تقدم، يعمل باشاغا على إزاحة مليشيات طرابلس التي شكلها السراج في 2018، وأبرزها "ثوار طرابلس"، و"الردع" و"النواصي"، كما يعمل منذ أشهر على الاعتماد على مليشيات مصراتة ليستمد منها النفوذ.
وبالفعل، أثار تغول مليشيات مصراتة التي يحركها باشاغا هلعا مكتوما داخل حكومة الوفاق، لما أرسلته من ذبذبات تؤكد بأنها بصدد تهيئة المناخ لفرض واقع جديد من شأنه تحويل باشاغا إلى حاكم فعلي لطرابلس.
ليفي يفجر الحرب والسراج يناور
فضيحة مدوية أثارتها زيارة المفكر الصهيوني برنارد ليفي إلى مصراتة معقل باشاغا، أزاحت الستار عن حجم الخلافات صلب أجنحة المجلس الرئاسي لمليشيات طرابلس.
وحينها، كشفت مصادر أن باشاغا هو من قدم لبرنارد ليفي تأشيرة الدخول ووفر له فرقة لحمايته، ما فاقم الانشقاقات داخل معسكر إخوان ليبيا، وبلغ الأمر حد تبرأ الوفاق من الزيارة، وتوعدت بمحاسبة كل من «تواطأ في تنظيمها».
في الأثناء، يحاول السراج، رغم أنه الحلقة الأضعف، إنقاذ منصبه أملا في استعادة رضا الأتراك عليه، مسبغا حمايته على مليشيات طرابلس، محاولا أن يعطيها الشرعية وتعزيز مكانتها لمحاصرة خطة باشاغا وتفكيكها.
خطوات حثيثة يتخذها السراج لعلمه بأن أنقرة باتت تدفع نحو سيناريو التخلص منه لصالح رجلها باشاغا، وهو نفس الهدف الذي يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى لتحقيقه أيضا، في ضوء الاحتجاجات المتزايدة في طرابلس تنديدا بحكومة الوفاق.
وقبل أشهر، تحدث إعلام ليبي عن لقاء جمع باشاغا بالسفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، ووعد الوزير بإنهاء مليشيات طرابلس، وبإقامة قاعدة عسكرية أمريكية على أراضي البلاد، في حال تكليفه بـ«مهمة أكبر بالمرحلة المقبلة»، في حيثيات تؤكد بأن الأيام القليلة المقبلة ستحمل عاصفة من التغييرات في صفوف مليشيات طرابلس، وتوازنات جديدة قد تغير المشهد الليبي بشكل جذري، وفق مراقبين.
aXA6IDMuMTUuMjE0LjE4NSA= جزيرة ام اند امز