ترامب على حبال الزمن.. رئيس سابق ومرشح محتمل ومتهم جنائي
كتب شهادة وفاته السياسية أكثر من مرة قبل أن يبعث مجددا وينفض غبار كبوات يقول إن حدسه لطالما أنقذه منها ليواجه اليوم تهما جنائية.
دونالد ترامب، الثري الأمريكي الذي عرفه العالم بمواقفه المثيرة للجدل تجاه عدد من القضايا على غرار الهجرة والإسلام ونظرته الخاصة للهوية الأمريكية، مثل اليوم أمام مقر المحكمة الجنائية بنيويورك.
والثلاثاء، توجه ترامب إلى مقرّ المحكمة ليتبلغ رسميا باللائحة الاتّهامية الموجّهة إليه، ويصبح بالتالي أول رئيس أمريكي سابق أو في السلطة يوجّه إليه اتّهام جنائي، في حدث غير مسبوق يتابعه الأمريكيون والعالم باهتمام بالغ وينقسمون حوله.
ووصف ترامب استدعاءه للمثول أمام المحكمة الجنائية في مانهاتن بنيويورك بأنه حدث "سريالي".
ورغم صعوبة الموقف. ظهر ترامب، الذي يعتزم خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2024، رافعاً قبضته أمام المصورين ومحاطاً بحراس شخصيين، ثم دخل قصر العدل في مانهاتن حيث سيوجّه إليه الاتهام رسميا.
ويواجه ترامب تهم احتيال مرتبطة بدفعه أموالاً في 2016 لممثّلة إباحية لشراء صمتها، من بين 34 اتهاما وجهتها له المحكمة.
متهم جنائيا
بالنسبة لشخصية مثل ترامب، فإنه من الصعب عليه استيعاب حقيقة ما يحدث له، فهذا الرجل الذي يقر حتى أنصاره بغروره، لم يسمح للكاميرات بأن تلتقطه في لحظة ضعف، بل أصر على أن يبدو متماسكا، ورفع قبضته أمام المصورين.
اختبار صعب لرجل تعود على إثارة الجدل منذ زمن بعيد، وخصوصا في 2016، حين فجر أكبر مفاجأة سياسية في التاريخ الأمريكي الحديث بفوزه برئاسة الولايات المتّحدة.
وبعدها بأربع سنوات، غادر البيت الأبيض وسط فوضى غير مسبوقة، واليوم، أصبح الملياردير الجمهوري الطامح للعودة إلى البيت الأبيض، أول رئيس سابق توجّه إليه تهمة جنائية.
وما بين التاريخين، مني ترامب بنكسة سياسية، بعد رفضه الاعتراف بهزيمته في الانتخابات الرئاسية الأخيرة أمام منافسه الديمقراطي، الرئيس الحالي، جو بايدن والهجوم الذي شنّه حشد من أنصاره على مبنى الكابيتول في السادس من يناير/ كانون الثاني 2021.
أحداث لم يتقبلها قسم من أنصاره وحلفائه فاختاروا التخلي عنه، بل إنّ كثيرين قالوا إنّ قطب العقارات الدخيل على عالم السياسة دقّ بهذا الهجوم المسمار الأخير في نعشه السياسي.
انبعاثة جديدة
لكنّ رجل الأعمال البالغ من العمر 76 عاما والذي أصبح رمزاً لانتصار الشعبوية المتفلّتة من كلّ قيد، سرعان ما استعاد السيطرة على الحزب الجمهوري، ويسعى تبعا لذلك لنيل بطاقة الترشح الحزبية لسباق البيت الأبيض المقبل.
وأثبتت التجارب أنه حذار لمن يفكّر بالوقوف أمام طموح هذا الرجل، فصاحب الشعر الأشقر الفاقع لم يتخلّ عن مبدئه البسيط ولكن الحاسم: "إما أنّك معي وإما ضدّي".
مواقف يرى معارضوه أنها تكشف الجانب المتطرف والمتعصب في شخصيته، ومع ذلك، يمضي ترامب على نفس الوتيرة، موجها نعوتا غريبة لكل من ينتقده،فالرئيس جو بايدن هو "جو النائم"، والممثلة الإباحية ستورمي دانيالز المتّهم بمحاولة شراء صمتها هي "وجه الحصان".
ورغم التحقيقات والدعاوى القضائية التي تطوّقه من كلّ حدب وصوب، لم يتراجع ترامب قيد أنملة عن سعيه للعودة إلى البيت الأبيض، وهو يردّ على كلّ هذه الملاحقات بتسخيفها ووضعها في سلّة واحدة يطلق عليها "حملة اضطهاد سياسي".
ومن أبرز القضايا التي تلاحق الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتّحدة، الاتّهامات الموجّهة إليه بممارسة ضغوط على المسؤولين عن العملية الانتخابات في ولاية جورجيا في 2020، وتحقيق بشأن طريقة تعامله مع أرشيف البيت الأبيض، وأخيراً قضية ستورمي وليامز.
وريث إمبراطورية
خلافا للصورة التي يحاول ترويجها عن نفسه، فإن ترامب ليس "رجلاً عصامياً" بنى نفسه بنفسه، بل وريث إمبراطورية عقارية بناها والده.
وُلد دونالد جاي ترامب بنيويورك في 14 يونيو/حزيران 1946، وتلقّى تعليمه في مدرسة عسكرية وانضمّ إلى شركة العائلة بعدما درس الأعمال.
بعد الحرب العالمية الثانية، تمكّن والده فريد ترامب، المنحدر من مهاجر ألماني، من بناء إمبراطورية عقارية في مدينة نيويورك من خلال تشييده مباني للطبقة الوسطى في أحياء الطبقة العاملة.
وفي سبعينيات القرن الماضي، تسلّم دونالد ترامب مقاليد هذه الإمبراطورية العقارية، قبل أن يتعرّف إليه الجمهور الأمريكي العريض من خلال برنامج تلفزيون الواقع "ذي أبرانتيس".
وترامب الفارع الطول والممتلئ الجسم والمحبّ للهمبرغر والدايت كوك، وصل إلى السلطة في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 في سيناريو سياسي غير مسبوق قلّما توقّعه أحد.
وخلال السنوات الأربع التي قضاها في "1600 شارع بنسلفانيا"، شاهد الأمريكيون، بتعجّب أو صدمة أو خوف أو كل هذه المشاعر مجتمعة، رئيساً متفلتا من كلّ القيود والمعايير.
وترامب، الأب لخمسة أبناء أنجبهم من 3 زوجات، والجدّ لعشرة أحفاد، لم يفوّت مناسبة خلال ولايته إلا مدح فيها القيم العائلية، في مسعى نجح من خلاله في اجتذاب تأييد الأوساط الإنجيلية.
واليوم، يواجه ترامب 34 تهمة بينها تهم احتيال مرتبطة بدفعه أموالا في 2016 لممثّلة إباحية لشراء صمتها، في أصعب اختبار بتاريخه الحافل.
فهل ينقذه حدسه الذي لطالما تباهى به أم أن حبال الأزمنة المتآمرة ضده ستخذله هذه المرة؟
aXA6IDMuMTQ0LjEyMy4yNCA= جزيرة ام اند امز