سياسة ترامب تجاه أفريقيا.. استراتيجية تنضج بسجن في النيجر

دعت أسرة رئيس النيجر المعزول، محمد بازوم، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى التدخل من أجل الإفراج عنه، فيما يرى مراقبون أن القضية تشكل اختبارًا لنواياه تجاه أفريقيا.
وبعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، تأمل أسرة بازوم أن يتدخل للإفراج عنه، مستغلة إمكانية تأثيره على القضايا الدولية. ويعتقد المراقبون أن رد فعله قد يكشف ما إذا كان سيمارس سياسة التدخل والضغط أو سيستمر في نهج التجاهل الذي ميّز ولايته الأولى.
جذب الانتباه
تحاول عائلة بازوم، بدعم من نشطاء أمريكيين معنيين بالشأن الأفريقي، حشد التأييد لإقناع ترامب بالتدخل، إذ وقع أكثر من ألف سياسي وناشط حقوقي من 70 دولة على عريضة تطالب بالإفراج عنه، كما بعث رؤساء دول وحكومات حاليون وسابقون برسائل للسلطات النيجرية للمطالبة بإطلاق سراحه. ويرى أنصار بازوم أن التغيير في البيت الأبيض قد يفتح الباب أمام مقاربة أمريكية مختلفة تجاه الأزمة في النيجر.
في 26 يوليو/تموز 2023، أطاح الجيش النيجري بالرئيس بازوم عبر انقلاب عسكري قاده قائد الحرس الرئاسي، الجنرال عبدالرحمن تشياني، الذي أعلن حل الحكومة وتعليق الدستور، مُشكّلًا "المجلس الوطني لحماية الوطن" لإدارة البلاد.
وبرر الجيش تحركه بتدهور الأوضاع الأمنية جراء تمدد الجماعات المسلحة في منطقة الساحل، إلى جانب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد، رغم أن النيجر كانت تُعتبر نموذجًا للاستقرار النسبي مقارنة بجيرانها مثل مالي وبوركينا فاسو.
الموقف السابق
طالبت إدارة الرئيس الأمريكي السابق، جو بايدن، مرارًا بالإفراج عن بازوم، وأدانت الانقلاب، معلنة تعليق معظم المساعدات الأمريكية وسحب أهلية النيجر للاستفادة من الامتيازات التجارية. ومع ذلك، لم تسفر هذه الضغوط عن نتائج ملموسة، إذ واصل المجلس العسكري ترسيخ سلطته رغم التهديدات الأمريكية.
يرى خبراء أن ترامب قد يستغل القضية في إطار سعيه لإثبات أن واشنطن تدعم الديمقراطية، لكنه قد يتجاهلها إذا لم يجد فيها منفعة مباشرة لبلاده. ومع ذلك، يمكن أن يستخدم ترامب القضية كورقة ضغط على العسكريين في النيجر للحصول على امتيازات اقتصادية أو استعادة النفوذ الأمريكي هناك، خاصة في ظل تزايد النفوذ الروسي والصيني في القارة الأفريقية.
ضغوط ومصالح
بحسب الدكتور عبدالمهيمن محمد الأمين، رئيس جامعة المغلي الأهلية الدولية بالنيجر، فإن ترامب قد يتدخل إذا رأى أن ذلك يخدم المصالح الأمريكية، مستغلًا أوراق الضغط الاقتصادي والسياسي. لكنه يواجه واقعًا صعبًا، إذ يبدو المجلس العسكري مصرًا على عدم تقديم تنازلات تحت الضغوط الخارجية، ويرى القضية مسألة سيادية لا يمكن فرض حلول خارجية عليها.
من جانبه، يشير الصحفي الموريتاني محفوظ ولد السالك إلى أن سياسة ترامب تجاه أفريقيا لم تتضح بعد، لكنه في ولايته الأولى لم يُظهر اهتمامًا كبيرًا بالقارة.
ورغم ذلك، فإن النيجر دولة غنية باليورانيوم، وهو عنصر استراتيجي قد يدفع واشنطن للضغط على نيامي لإبرام صفقة تضمن مصالحها. وفي هذا السياق، قد يكون ترامب أكثر ميلًا لاستخدام وسائل الضغط الاقتصادي والسياسي لاستعادة النفوذ الأمريكي بعد أن طردت السلطات النيجرية القوات الأمريكية من قواعدها العسكرية.
وسائل مختلفة
يرى العضو المؤسس في حزب التجديد الديمقراطي الجمهوري بالنيجر، عمر الأنصاري، أن تدخل ترامب مرتبط بحسابات المصالح، مشيرًا إلى إمكانية استخدام العقوبات الاقتصادية أو حتى دعم المعارضة المسلحة للضغط على المجلس العسكري. كما أن العلاقات الأمريكية-الروسية قد تلعب دورًا في تحديد نهج واشنطن تجاه الانقلابات الأفريقية، حيث تسعى روسيا إلى تعزيز نفوذها في المنطقة من خلال دعم الأنظمة العسكرية، مما قد يدفع ترامب إلى اتخاذ موقف أكثر تشددًا.
الاقتصاد أولا
إذا قرر ترامب التدخل، فمن المرجح أن يكون ذلك بدافع المصالح الاقتصادية، وليس فقط بدافع القيم الديمقراطية. فالنيجر، باعتبارها منتجًا رئيسيًا لليورانيوم، قد تكون نقطة اهتمام لترامب، خاصة إذا رأى فرصة لاستعادة النفوذ الأمريكي في قطاع التعدين الاستراتيجي. وقد تكون إحدى استراتيجياته إعادة التفاوض على ترتيبات اقتصادية تضمن وصول الشركات الأمريكية إلى الموارد الطبيعية في النيجر.
مؤشر
إذا قرر ترامب التدخل بقوة في قضية بازوم، فقد يكون ذلك مؤشرًا على توجهه نحو استعادة النفوذ الأمريكي في أفريقيا عبر مزيج من الضغوط الاقتصادية والسياسية، وقد يهدف إلى تقليل نفوذ القوى المنافسة مثل روسيا والصين. أما إذا تجاهل القضية، فقد يعكس ذلك استمرار نهج عدم الاكتراث الذي ميّز ولايته الأولى، حيث لم يُبدِ اهتمامًا كبيرًا بالقارة الأفريقية.
وتظل احتمالات تدخل ترامب رهينة حسابات المصالح الأمريكية، إذ إنه غالبًا ما يتبع نهج "أمريكا أولًا"، حيث لا يتحرك إلا إذا كان هناك مكسب واضح للولايات المتحدة. ومع استمرار الأزمة في النيجر، قد تكون طريقة تعامله مع قضية بازوم مؤشرًا على مدى اهتمامه بالسيطرة على الملفات الأفريقية، أو إذا كان سيتركها كما فعل في السابق لصالح قوى أخرى تتصارع على النفوذ في القارة.
aXA6IDMuMTQxLjQwLjI0MiA= جزيرة ام اند امز