قرارات ترامب تهدد «العيون الخمس».. القلق يسري بأوصال شركاء أمريكا

في ظل التحولات السياسية المتسارعة، تواجه الولايات المتحدة تحديات غير مسبوقة في علاقاتها الاستخباراتية مع حلفائها التقليديين.
وخلص تقرير لمجلة فورين بوليسي الأمريكية، إلى أن قيام قطب وسائل التواصل الاجتماعي، إيلون ماسك، بتفكيك الهياكل الحكومية الفيدرالية التي تحافظ على عمل الولايات المتحدة، يعرض العلاقات الدولية التي تضمن أمن الأمريكيين وازدهارهم للانهيار السريع.
وبحسب التقرير فإن خوض إدارة ترامب معارك عبثية مع الجيران في أمريكا الشمالية، والسعي إلى "الشراكة" مع روسيا، والتخلي عن الحلفاء الأوروبيين ليست سوى بعض العلامات الفورية على تفكك نسيج العلاقات الخارجية لواشنطن، بما في ذلك العلاقات الأمريكية-البريطانية.
تحت السطح، هناك علامات أخرى على هذا التفكك قد تكون أقل وضوحًا، لكنها لا تقل خطورة على القوة والأمن الأمريكيين. لعل أحدث مؤشر على ذلك ما جاء هذا الأسبوع مع تقرير - تم نفيه بسرعة - يشير إلى أن مستشار البيت الأبيض الكبير بيتر نافارو يدفع باتجاه طرد كندا من شراكة العيون الخمس لتبادل المعلومات الاستخباراتية.
أهمية تحالف العيون الخمس:
تشكل تحالفات تبادل المعلومات الاستخباراتية، مثل "تحالف العيون الخمس"، جزءًا من شبكة التعاون بين واشنطن وحلفائها، والتي لطالما كانت أساس الأمن الأمريكي والغربي.
يجمع "تحالف العيون الخمس" الولايات المتحدة مع الدول الناطقة بالإنجليزية: أستراليا، وبريطانيا، وكندا، ونيوزيلندا. لكنه ليس التحالف الوحيد؛ فهناك اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف أخرى أقل شهرة لكنها لا تقل أهمية.
وإلى جانب الناتو والتحالفات الأمنية الأخرى، شكلت هذه الشراكات أساس إدارة الأمن التعاوني للحفاظ على النظام الدولي وحماية أمريكا. ولكن، كما هو الحال مع الناتو، فإن قيمتها قد تكون موضع تساؤل في ظل الإدارة الجديدة لترامب.
أوضحت فورين بوليسي أن شركاء تحالف تبادل المعلومات الاستخباراتية قد بدأوا في مراجعة سياساتهم منذ فترة طويلة، استعدادًا لاحتمال تقليص ما يشاركونه مع الولايات المتحدة. وقد رأى الحلفاء المصدومين كيف شكك ترامب، خلال ولايته الأولى، في أجهزة استخباراته الخاصة، ونشر صورة سرية لموقع إطلاق صاروخي إيراني، وشارك معلومات استخباراتية سرية مع مسؤولين روس. وزادت المخاوف بعد المحادثات الأمريكية-الروسية في الرياض، حيث أصبح واضحًا أن الولايات المتحدة تعطي أولوية للشراكة مع الكرملين على حساب مخاوف حلفائها الأوروبيين.
جذور العيون الخمس
تعود جذور شراكة "العيون الخمس" إلى اتفاقية UK-USA، وهي معاهدة تبادل معلومات استخباراتية بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة وُقعت بعد الحرب العالمية الثانية، ثم قامت بريطانيا برعاية انضمام أستراليا وكندا ونيوزيلندا. ويعتمد التعاون على تكملة قدرات بعضهم البعض؛ فبريطانيا وكندا يمكنهما الوصول إلى أماكن لا تستطيع الولايات المتحدة الوصول إليها، بينما تساعد أستراليا في جمع المعلومات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
ولا يعني تبادل المعلومات الاستخباراتية الوصول الكامل إلى جميع الأسرار، بل يتم تقييم كل جزء من المعلومات على حدة قبل مشاركته، لتجنب المخاطر التي قد تنجم عن وجود عضو غير جدير بالثقة في المجموعة. وخلال الحرب الباردة، كان هناك نكتة مفادها أن وضع علامة "سري - حلف الناتو" على تقرير ما يعني إرسال نسخة منه إلى موسكو أيضًا.
تأثير سياسات ترامب على التعاون الاستخباراتي:
بحسب التقرير فإن العلاقات الاستخباراتية العالمية للولايات المتحدة تُدار عادةً عبر وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، لكنها كانت موضوعًا لصراعات داخلية على النفوذ، كما حدث عندما سعى مستشار الأمن القومي السابق مايك فلين إلى السيطرة على العلاقة مع جهاز الاستخبارات العسكرية الروسي (GRU).
تعتمد هذه العلاقات على الثقة والمصداقية، وهما الشيئان اللذان يهددهما ترامب وماسك. فرئيس لديه سجل في تخزين وثائق سرية في حمام منتجعه في مارالاغو ونشر معلومات استخباراتية سرية على وسائل التواصل الاجتماعي سيجعل شركاء الولايات المتحدة أكثر تحفظًا في مشاركة المعلومات. كما أن تعيين تولسي غابارد، التي ينظر إليها خبراء الأمن القومي الأمريكي بعين الشك بسبب مواقفها السابقة المؤيدة لوجهات نظر الكرملين، للإشراف على مجتمع الاستخبارات سيزيد من تحفظ الحلفاء.
وبحسب المجلة، لن يكون من السهل فرض قيود على تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الولايات المتحدة نظرًا للاندماج العميق بين الأنظمة والمنظمات داخل تحالف "العيون الخمس". لكن في مجالات أخرى، ستصبح الدول الحليفة أقل استعدادًا لإفشاء أسرارها لواشنطن. وقد يشمل الاستقلال عن الولايات المتحدة الذي يطمح إليه المستشار الألماني المحتمل فريدريش ميرتس، على سبيل المثال، فك الارتباط عن التعاون الاستخباراتي مع واشنطن أيضًا.
مخاطر:
ترى فورين بوليسي أنه من الصعب تصور قدرة الولايات المتحدة على تجنيد العملاء وحمايتهم كما في السابق. فعملاء الاستخبارات الأمريكية في جميع أنحاء العالم يواجهون الآن خطر إفشاء ترامب المعلومات التي يقدمونها، أو أن يتم تسريب هوياتهم من قبل ماسك وفريقه أثناء عبثهم بالسجلات السرية.
كما أن الدافع الأخلاقي للتعاون مع أجهزة الاستخبارات الأمريكية قد تلاشى، بعدما تحولت الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب-ماسك إلى أوليغارشية مختلة تتحالف مع دول مارقة مثل روسيا، مما أضعف الحافز الأخلاقي للحلفاء في تقديم المساعدة.
والنتيجة هي أن شركاء الاستخبارات لواشنطن، مثل تحالف "العيون الخمس"، قد يصبحون أكثر أهمية عندما يتعلق الأمر بجمع المعلومات البشرية، لكنهم في الوقت نفسه سيكونون أكثر حذرًا في مشاركة المعلومات مع الولايات المتحدة لحماية مصادرهم.
وخلصت المجلة إلى أنه، قد لا نشهد انسحابًا الولايات المتحدة علنيًا من تحالف تبادل المعلومات الاستخباراتية، ولكن كما أن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى مغادرة الناتو لتقويضه، يمكن أن تبقى هذه الاتفاقيات شكلية حتى عندما يدرك الطرفان أنها لم تعد تُحترم.
aXA6IDE4LjExOC45My4yMDkg جزيرة ام اند امز