فوز دونالد ترامب كان هزيمة أخرى للعولمة ولمنطقها وخطابها في تعويض الخاسرين أو شراء صمتهم،
هل يكون ترامب الرئيس الأمريكي المنتصر، هو من يضع أول معول في هيكل العولمة؟ وهل فاز أصلاً لأنه أعلن الحرب على العولمة، وخسرت هيلاري كلينتون لأنها «عولمية»؟ وأية تداعيات يحملها ذلك على العولمة في كل مكان؟
بداية، هنالك رابحون وخاسرون في كل مكان نتيجة للتحول العالمي نحو النمط العولمي وحتى في الغرب نفسه والذي هو مصدر العولمة خسرت الطبقة الوسطى والعمال أمنهما الوظيفي وأولويتهما في حق العمل. هذه الحقوق والأولويات كانت مضمونة ومؤمنة ضمن نطاق الدولة الوطنية وواجباتها البديهية تجاه مواطنيها. أضعفت العولمة الدول الوطنية وعطلت أدوارها وأثرت كثيراً في مفاهيم سيادتها، ذلك لأنها تعمل على نطاق أوسع بكثير من حدود الدول الوطنية ومصالحها.
مكانياً، تتحرك الرأسمالية العالمية حيث تقتضي مصالحها، وشهد عقد الثمانينات انتقالاً واسعاً للرأسمال الغربي في أوروبا وأمريكا إلى بلدان ذات يد عاملة أرخص بكثير من العمالة الغربية التي أنجزت اكتساباً كبيراً على مستوى الحقوق عبر صراع زمني طويل مع أرباب العمل. لم يحصد الرأسمال الغربي بمصانعه خارج العالم الغربي ربحاً أكبر فحسب، وذلك من خلال العمالة الرخيصة، وإنما أيضاً وجد البيئة المناسبة لديمومة الربح حيث تنعدم القوانين الصارمة التي تراقب الإنتاج وتسائل المخالفات وانتهاك الحقوق.
إزاء اتساع الهوة بين الفئات الثرية والفقيرة من خلال إفقار الطبقة العاملة الغربية وتقلص فرص التوظيف وفقدان الدخول للطبقة الوسطى، كان وعد العولمة الذي لم ينجز هو جسر الفروق بين الطبقات. وكان الظن السائد لدى الاقتصاديين العولميين أن توفير البضائع الاستهلاكية من أجهزة كهربائية وإلكترونية وأساسيات منزلية بأسعار وطرق تناسب الفئات المتضررة من مشاريع العولمة يمثل هدية لهذه الفئات مقابل السكوت والرضا بأوضاعها.
لم يظهر الكثير على السطح من مدى غضب المتضررين في الغرب من نظام العولمة الذي ساد العالم كله، حتى كان هذا الغضب والغليان يترجم نفسه في بريطانيا الصيف الماضي في رجوح كفة المصوتين لخروجها من الاتحاد الأوروبي ولصالح العودة إلى حدود الكيان البريطاني وسيادته. واحتلت المسألة الديمغرافية وإيقاف تدفق العمالة الخارجية الأوروبية منها وغير الأوروبية أولى الأولويات.
فوز دونالد ترامب كان هزيمة أخرى للعولمة ولمنطقها وخطابها في تعويض الخاسرين أو شراء صمتهم، وكانت هذه الهزيمة في عقر دارها ودار العم سام. ترامب اليميني المحافظ الذي رفع شعار «أمريكا العظيمة» بنى حملته الانتخابية على خطاب مضاد لعولمة أمريكا على المستويات الثلاثة التي تقوم عليها: حركة رأس المال والبضائع، وحركة البشر (المهاجرون)، والأفكار والمعلومات. كان شعار استعادة العظمة لأمريكا و«أمريكا أولاً» هو التأكيد على الوطنية في مقابل العولمة التي دافعت عنها هيلاري كلينتون واتخذتها إيديولوجية وبرنامجاً سياسياً واقتصادياً.
كشفت الانتخابات الأمريكية حقيقة تحول أمريكا إلى مدن صناعية مهجورة وطبقات اجتماعية تعاني شظف العيش بعد فقدان الوظائف نتيجة لانتقال رأس المال إلى الخارج، كما كشفت عن مشاعر اللا مساواة واللا عدالة التي خلفتها العولمة لدى قطاعات كبرى من الشعب الأمريكي. ومن تلك المدن والمصانع المعطلة كان ترامب يطلق عبارات مثل: «ضربت موجة العولمة الطبقة الوسطى وأطاحت بها كلياً، وما سنقوم به هو إحداث موجة أخرى معاكسة».
لم تكن العولمة قط ومنذ ظهرت وتمددت بعد سقوط جدار برلين مدار نقاش وجدل النخب السياسية في الغرب كما هي الآن، وذلك ما بين مهاجم ومدافع عنها، وحتى أولئك الذين يصطفون بقوة معها من أمثال أوباما وميركل أصبحوا يطرحون مسألة «تصحيح مسارها» ويعترفون بالشروخ الاجتماعية الكبرى التي ألحقتها بالمجتمعات الغربية. فماذا عن هذه العولمة المقيتة خارج العالم الغربي وهي أشد توحشاً وجوراً على الديموغرافيا والثقافة والاقتصاد؟ لا شك أن ما يحدث غربياً له انعكاساته الآنية وبعيدة المدى كذلك. وعلى الأقل، فإن صورة العولمة كمصير أبدي للعالم لم تعد كذلك بعد المواقف الغاضبة للناخبين الإنجليز والأمريكان!
سياسة ترامب متطرفة وبرامجه معادية للإسلام وحقوق العرب، هذا صحيح، لكن أسباب فوزه وخطابه الشعبوي ضد العولمة وتعاطيه مع متضرريها في أمريكا يستحق المتابعة والتأمل والدراسة.
*نقلا عن الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة