ترامب والـ"إف بي آي".. صراع على صفيح ساخن
قرار ترامب المفاجئ بإقالة مدير الـ"إف بي آي" جاء بعد جولات ومعارك ظهر بعضها للعلن وبعضها بقي في الظل بين ترامب وجيمس كومي.
"من الضروري أن نجد زعامة جديدة لمكتب التحقيقات الاتحادي (إف بي آي) تستعيد الثقة العامة في مهمتها الحيوية لإنفاذ القانون".. هكذا أظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخلاف مع مكتب التحقيقات إلى العلن، وفي مفاجأة من العيار الثقيل وبدون مقدمات، أعلن ترامب عزل جيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي يفترض أن يبقى لمدة 10 أعوام في وظيفته.
قرار ترامب المفاجئ جاء بعد جولات ومعارك ظهر بعضها للعلن وبعضها بقي في الظل بين البيت الأبيض ومكتب التحقيقات الفيدرالي.
كومي والانتخابات
جدل من الجانبين وعلاقة متوترة مع البيت الأبيض، هكذا كان موقف مكتب التحقيقات، ففي أكتوبر/تشرين الأول الماضي وقبل إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية بأيام، كشف جيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات، عن تحقيق جديد بشأن رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، قنبلة فجرها كومي أدت إلى خسارة هيلاري للانتخابات الرئاسية، على حد قولها.
أثار كومي، منذ يوليو الماضي حفيظة الجمهوريين عندما أوصى بعدم ملاحقة هيلاري في قضية استخدام "سيرفر" خاص لبريدها الإلكتروني، وإغلاق تلك القضية، ثم عاد وأثار غضب الديموقراطيين عندما تحدث عن وجود رسائل إلكترونية جديدة على صلة بالتحقيق، ثم قال بعد يومين، إنه لا يوصي بملاحقة كلينتون، أدى هذا التخبط إلى قيام وزارة العدل بفتح تحقيق حول المزاعم المتصلة بدور مكتب التحقيقات الفيدرالي في الحملة الانتخابية.
وخلال فترة الانتخابات العصيبة التي مرت بها الولايات المتحدة، تردد دور مكتب التحقيقات في تلك الانتخابات للمرة الأولى، حيث قال حينها النائب إيليا كامينغز -زعيم حزب الديمقراطيين في لجنة الرقابة والإصلاح الحكومي بمجلس النواب الأمريكي، إن مكتب التحقيقات الفيدرالي يواجه مشكلة خطيرة جداً تتعلق بمصداقيته، فإن اتضح أن المكتب بالفعل يحقق أو يخطط للتحقيق بشأن تعاملات بول مانافورت –المدير السابق لحملة ترامب الانتخابية– مع روسيا، أو أي شخص آخر على علاقة بترامب، ولم يقم بكشف هذه الحقائق للشعب الأمريكي قبل الانتخابات، سيتم اتهام المكتب بالكيل بمكيالين فيما يتعلق بهيلاري وترامب حينما تنكشف تلك الحقائق للشعب".
بداية الصدام
نجح ترامب واستمرت مزاعم علاقته بروسيا، ورغم أن مكتب التحقيقات كان يحقق في العلاقة بين عدد من المقربين من ترامب ومسؤولين روس، طلب ترامب بعد استلام مهامه في البيت الأبيض، من كومي، مدير مكتب التحقيقات، البقاء في منصبه خلال أول لقاء بينهما.
مارس الماضي، وفي تغريدة خطير لدونالد ترامب، قال فيها "أمر فظيع! علمت للتو أن الرئيس أوباما تنصت على خطوطي الهاتفية في برج ترمب قبيل فوزي"، متهماً أوباما بأنه "شخص سيئ (أو مريض)".
بدأ الصراع بين البيت الأبيض ومكتب التحقيقات الفيدرالي بقيادة جيمس كومي، الذي طالب حينها وزارة العدل أن تنفي علناً الاتهام الذي وجهه الرئيس دونالد ترمب إلى سلفه باراك أوباما بأنه تنصت عليه.
لم تمر مزاعم التورط الروسي في الانتخابات الأمريكية مرور الكرام، فمنذ دخول ترامب للبيت الأبيض، ويحقق مكتب التحقيقات في القضية، وأخضع مكتب التحقيق الفيدرالي أربعة من دائرة المقربين من ترامب، تحت رقابة صارمة، حيث اتهمهم بالتواصل مع شخصيات روسية مقربة من فلاديمير بوتين. ومن بين المتهمين بالتعامل مع روسيا، كل من مايكل فلين، مستشار ترامب للأمن، بول مانافورت، المدير السابق لحملة ترامب الانتخابية، كارتر بايج، مستشار ترامب، روجر ستون، الصديق المقرب من عائلة ترامب.
وفي جلسة استماع أمام لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي، أكد جيمس كومي وجود تحقيق حول محاولات تدخل روسية في الحملة الرئاسية الأمريكية خصوصاً حول احتمال حصول "تنسيق" بين أعضاء في فريق دونالد ترامب والحكومة الروسية.
وقال كومي حينها "لقد تلقيت إذناً من وزارة العدل، للتأكيد بإن إف بي آي وفي إطار مهمتنا لمكافحة التجسس، يحقق في محاولات الحكومة الروسية التدخل في الانتخابات الرئاسية في 2016".
وأضاف "هذا يشمل تحقيقات حول طبيعة أي علاقة بين أفراد مرتبطين بفريق حملة ترامب والحكومة الروسية، ولتحديد ما إذا كان ثمة تنسيق بين الحملة والجهود الروسية".
وقال كومي، إنه نظراً إلى "المصلحة العامة" في إطار هذه القضية من الضروري تأكيدها علناً، مضيفاً أنه "لا يمكنني أن أكشف المزيد من المعلومات لما نقوم به ولا الأفراد الذين نراقب تصرفاتهم".
من جانبها، أكدت إدارة ترامب أنه "لم يتغير شيء" بعد الكشف عن أن مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) يحقق في العلاقة المزعومة بين حملة الرئيس الانتخابية وبين روسيا، وقال مسؤول بارز في الإدارة الأمريكية حينها في بيان مكتوب عقب شهادة جيمس كومي، مدير مكتب الإف بي آي "لا يوجد أي دليل على تواطؤ بين ترامب وروسيا، ولا يوجد أي دليل على فضيحة ترامب-روسيا".
ومنذ أيام قال جيمس كلابر، الرئيس السابق للاستخبارات القومية الأمريكية، خلال جلسة استماع أمام لجنة فرعية للقضاء في الكونجرس ضمن التحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، إن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجّه حملة نفوذ لتقويض ثقة الشعب الأمريكي في عملية انتخاب الرئيس، وفعل ذلك لإهانة الوزيرة هيلاري كلينتون، وسعى ليفيد السيد دونالد ترامب".
قرار ترامب
كل هذه التفاصيل جعلت من مكتب التحقيقات الاتحادي صداعاً مزمناً في رأس إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وقال ترامب في رسالة إلى كومي نشرها البيت الأبيض، أمس "من الضروري أن نجد زعامة جديدة لمكتب التحقيقات الاتحادي تستعيد الثقة العامة في مهمتها الحيوية لإنفاذ القانون، في حين أني أقدر بشدة إبلاغك لي في ثلاث مناسبات منفصلة أنني لست قيد التحقيق، فإنني على الرغم من ذلك أتفق مع تقدير وزارة العدل أنك لست قادراً على قيادة المكتب بفاعلية".
وقال مسؤولو البيت الأبيض، إن نائب وزير العدل رود روزنشتاين، وهو مدع عين في منصبه في 25 إبريل، قيم الوضع في مكتب التحقيقات الاتحادي وخلص إلى أن كومي فقد الثقة.. وأضافوا أن روزنشتاين أرسل توصيته إلى وزير العدل سيشنز، الذي وافق عليها ورفعا توصيتهما إلى ترامب فقبلها أمس.
وأصدر البيت الأبيض مذكرة لروزنشتاين كتب فيها: "لا أستطيع الدفاع عن تعامل المدير مع ما خلص إليه التحقيق في الرسائل الإلكترونية للوزيرة كلينتون ولا أفهم رفضه قبول الحكم بأنه أخطأ".
واستشهد روزنشتاين بتعليقات لعدة مسؤولين سابقين بوزارة العدل انتقدوا فيها تعامل كومي مع تحقيق البريد الإلكتروني لكلينتون بما في ذلك تعليقاته العلنية.
من جانب آخر، ندد الديمقراطيون بتحرك ترامب وشبهه البعض بـ"مذبحة ليل السبت" عام 1973 التي أقال فيها الرئيس ريتشارد نيكسون مدعياً خاصاً مستقلاً يحقق في فضيحة ووترجيت.
وقال جون كونيرز، العضو الديمقراطي البارز في لجنة الشؤون القضائية بمجلس النواب: "الإجراء الذي اتخذه الرئيس ترامب اليوم يزيل تماماً أي مظهر من مظاهر التحقيق المستقل في المحاولات الروسية، للتأثير على انتخاباتنا ويضع أمتنا على شفا أزمة دستورية".
وجدد كونيرز وديمقراطيون آخرون دعوتهم لتولي لجنة مستقلة أو مدّعٍ خاص التحقيق في التأثير الروسي في انتخابات 2016.
وبين التنديد والتبرير فالنهاية واحدة وهي قيام ترامب بفتح باب جديد من الصراع مع مكتب التحقيقات الفيدرالية، فإقالة كومي تثير العديد من التساؤلات في الوقت الراهن.