«تهجير غزة» و«الإمبراطورية الجديدة».. ما رأي ناخبي ترامب؟
قد يكون في اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول تهجير فلسطينيي غزة إشارة لعودة التوسع الأمريكي التقليدي الذي يعتمد على القوة الغاشمة.
وأثار اقتراح الرئيس الأمريكي بأن تتولى الولايات المتحدة السيطرة على غزة، وطرد سكانها وإعادة توطينهم لتحويل القطاع إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" غضب الفلسطينيين وصدمة المجتمع الدولي، حتى إنه أربك العديد من ناخبيه المحافظين.
وفي حين ينأى ترامب بنفسه أحيانًا عن السياسات الخارجية المحافظة الجديدة التي ورطت أمريكا في العراق وأفغانستان، يبدو أن اقتراحه يمثل إشارة أخرى إلى رغبته في استعادة الإمبريالية الأمريكية.
والإمبريالية تشترك مع التوسعية التي تبناها تيدي روزفلت وأندرو جاكسون في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، واللذين ارتبطا ببعضهما كأكثر الفتوحات الأمريكية "وقاحةً وعنفًا"، وذلك وفقًا لما ذكرته صحيفة "الغارديان" البريطانية.
وقال دانييل إيمروار، أستاذ التاريخ في نورث وسترن، إنه "يبدو أن ترامب يحتقر الأشكال الأكثر دهاءً لإبراز القوة التي استخدمها رؤساء الولايات المتحدة بعد عام 1945، ويبدو مهتمًّا للغاية بالعروض العارية للقوة أو القوة الاقتصادية".
ويأتي اقتراح ترامب بشأن غزة عقب أسبوعين مضطربين من عودته إلى البيت الأبيض، طالب خلالهما أيضًا الدنمارك ببيع جزيرة غرينلاند للولايات المتحدة، وهدد باستعادة قناة بنما.
كما بدأ حروب تعريفة جمركية فاشلة مع المكسيك وكندا، التي اقترح أن تصبح الولاية الأمريكية رقم 51.
وكما هو الحال مع ترامب، غالبًا ما كان المعلقون غير متأكدين من كيفية تفسير تهديداته، وما إن كانت مقترحات سياسية جادة، أو استفزازًا، أو محاولات لتحديد مواقف تفاوضية سيتراجع عنها لاحقًا، أو أنها تأملات غير منضبطة خارجة عن المألوف.
لكن مع التدمير الذي تعانيه غزة بعد 15 شهرًا من القصف الإسرائيلي، ومع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي اتهمته المحكمة الجنائية الدولية مؤخرًا بارتكاب جرائم حرب، لواشنطن، يبدو اقتراح ترامب بشأن غزة خطيرًا للغاية.
ونقلت "الغارديان" عن بيتر بينارت، مؤلف كتاب "أن تكون يهوديًّا بعد تدمير غزة: الحساب"، قوله إنه لسنوات، تحدث أعضاء اليمين الإسرائيلي عن تطهير غزة من الفلسطينيين.
وأضاف: "والآن يأخذ ترامب هذه الفكرة من اليمين الإسرائيلي، لكنه يضيف إليها عودة غريبة إلى إمبريالية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، عندما كانت الولايات المتحدة تعمل على الاستيلاء على الأراضي بشكل أساسي".
ويعارض الفلسطينيون في غزة بشدة مغادرة أرضهم، وسيكون تهجيرهم ضد إرادتهم انتهاكًا للقوانين الدولية وقد يشكل جريمة حرب.
كما أن التهجير يتطلب قبول الدول العربية والإسلامية المجاورة ملايين اللاجئين الفلسطينيين الجدد، وهي الفكرة التي رفضوها فورًا وبشدة.
وخلال مؤتمره الصحفي، زعم ترامب أن امتلاك الولايات المتحدة لغزة "يجلب استقرارًا كبيرًا للشرق الأوسط"، وقال: "كل من تحدثت معهم يحبون فكرة امتلاك واشنطن لتلك القطعة من الأرض".
وبدا أن فكرة ترامب هي صدى لتعليقات أدلى بها في مارس/آذار 2024 صهره غاريد كوشنر، حين قال: "قد تكون ممتلكات غزة على الواجهة البحرية ذات قيمة كبيرة".
من جانبها، قالت نورا عريقات، محامية حقوق الإنسان الفلسطينية الأمريكية وأستاذة في جامعة روتجرز: "من المحبط الاستماع إلى الرئيس ترامب يتحدث عن إبعاد الفلسطينيين عن أراضيهم والاستحواذ عليها بالقوة، وكأنها معاملة تجارية وليست انتهاكًا لمبادئ أساسية للقانون الدولي".
ويبدو أن مخططات ترامب التوسعية تتحدى انعزالية "أمريكا أولًا"، التي يدعمها جزء كبير من قاعدته، وأشار دانييل إيمروار إلى أن الرئيس الأمريكي لم يكن انعزاليًّا حقًّا.
انقسام
شكك إيمروار في أن العديد من ناخبي ترامب يدعمون هذه التحركات العدوانية في سياسته الخارجية، حتى تلك التي تتعلق بما يسميه ترامب الفناء الخلفي للولايات المتحدة، مثل غرينلاند وكندا وبنما.
وفي حين كان اليمين الإسرائيلي سعيدًا باقتراح ترامب، كان هناك انقسام بين المحافظين الأمريكيين، وهو ما قد يعكس الانقسامات الأيديولوجية الأوسع بين صقور الجمهوريين التقليديين وبين الناخبين الجمهوريين الذين سئموا من المغامرة الأمريكية في الخارج.
ورفض بعض أعضاء الكونغرس الجمهوريين استبعاد الفكرة، بينما كتب السيناتور راند بول على الإنترنت يقول: "يجب أن يكون السعي لتحقيق السلام هو سعي الإسرائيليين والفلسطينيين.. اعتقدت أننا صوتنا لأمريكا أولًا".
وفي الوقت نفسه، كتب أحد الأشخاص على منتدى محافظ عبر موقع "ريديت" يقول إن "احتلال غزة يبدو وكأنه فكرة رهيبة لعدد من الأسباب؛ أهمها أنها لا قيمة لها وتبدو وكأنها تكلفة ضخمة، وأريد أموالي في جيبي، وليس في الشرق الأوسط".
ويعتقد إيمروار أن ترامب ينجذب إلى الأراضي التي يعتقد أنها ألواح فارغة أو يمكن طيها في أمريكا، ففي ولايته الأولى، فكر في سحب الولايات المتحدة استثماراتها من بورتوريكو أو مقايضتها بغرينلاند.
وفي الوقت نفسه، أشاد بعض عناصر ما يسمى باليمين الجديد، وهي حركة فكرية محافظة مرتبطة بوادي السيليكون، بميول ترامب التوسعية.
وقال إيمروار إنه حتى أواخر الخمسينيات من القرن العشرين، "كان المنطق هو أن الاستيطان الأبيض هو الغبار السحري الذي سيتم رشه على الأراضي التي من شأنها أن تكون مؤهلة للانضمام إلى الاتحاد".
أما باينارت، فيرى أن لامبالاة ترامب بالسوابق والأعراف، إلى جانب "الافتقار التام لأي بوصلة أخلاقية"، تعني أنه لا يرى أي مشاكل في فكرة إعادة بناء غزة كمستعمرة أمريكية.
وقال: "لم يخطر بباله قط أن هناك شيئًا وحشيًّا في فكرة إرسال أسلحة أمريكية لتدمير منطقة بالكامل، ثم يقول: يا إلهي، يبدو أن الوضع سيئ حقًّا هناك الآن، يجب على الناس أن يغادروا".
aXA6IDMuMTQ0LjQyLjE5IA== جزيرة ام اند امز