الرئيس ترامب لن يكون بعد أزمةِ العزلِ كما كان قبلهَا.. وإن تظاهر بنصر فيه نشوة الظفر المصطنع
يوم الأربعاء الماضي، صوتَ مجلسُ الشيوخِ الأمريكي برفضِ مذكرة العزلِ، التي قدمها مجلسُ النوابِ في حقِ الرئيسِ دونالد ترامب. برغم أن الدستور الأمريكي يخولُ مجلسَ الشيوخِ بمحاكمةِ الرئيسِ على جرائم قد يرتكبها، إلا أن ما حدث طوالَ أسبوعين من المرافعات في المجلس، يصعبُ القول إن محاكمة قد نُصِبَت للرئيس ترامب.
معظم الشيوخ الجمهوريين سبق وحددوا موقفهم علناً بتبرئةِ الرئيسِ، حتى قبل عقد المحاكمة! كما أنهم عرقلوا الحصولَ على وثائقَ ذات صلةٍ بالقضيةِ، يحتجزها البيت الأبيض.. ورفضوا استدعاءَ أي شاهدِ إثباتٍ، يمكن أن توفِرَ إفادته أمامَ المجلسِ قرائنَ بثبوتِ التهمِ على الرئيس، ومن ثَمّ الحكم بعزله من منصبه.
القضيةُ لم يُسدل الستارُ عنها بَعْدُ. ستتواصلُ "المناكفاتُ" بين الرئيسِ ترامب ومعارضيه في الكونجرسِ والصحافةِ، حتى الثالثِ من نوفمبر/تشرين الثاني العام الحالي، عندما يذهبُ الناخبُ الأمريكيُ لاختيارِ رئيسه القَادِم.. وأعضاء الكونجرس الجديد
منذ البدايةِ، كان واضحاً أن مجلسَ الشيوخِ، نظراً لسيطرةِ الجمهوريين عليه، لن يُقْدِمَ على إدانةِ الرئيس ترامب.. دعك من تَوَفِرِ النصاب الدستوري في المجلس (٦٧ شيخا من الشيوخ المائة) اللازم للحكم بإخراجه من البيتِ الأبيضِ. لكن الديمقراطيين أصَرّوا على المضيِ قُدُماً في مسارِ العزل، بزعمِ عدم المساومةِ على أي جرائمَ قد يرتكبها الرئيسُ (أي رئيس) تُخْرِجُ نظام الحكمِ في الولايات المتحدة من خلفيتهِ وقيمهِ الجمهورية، صيانةً للدستورِ.. وتأكيداً أن القانونَ، في البلادِ، فوقَ الجميع.
ربما كان للديمقراطيين هدف سياسي له علاقة بالانتخابات الرئاسية والتشريعية نوفمبر/تشرين الثاني القادم، لإبعاد الجمهوريين عن البيتِ الأبيضِ والكونجرسِ بمجلسيه، معاً. هذا، أيضاً قد يفسرُ سلوكَ الجمهوريين في الكونجرسِ، للحفاظِ على مكتسباتهم السياسية، انتظاراً لحكم الناخب الأمريكي، نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
كان الاستقطاب الحزبي، لدى الطرفين، إذن هو الذي يتحكم في سلوكِ أطرافِ القضية، لا توخي العدالةَ في قضيةٍ تَمَسُ القيمَ الليبراليةَ والممارسةَ الديمقراطيةَ للنظامِ السياسيِ الأمريكي. هناك ما يَرقَى للقناعةِ لدى العديد من الشيوخ المائة أن الرئيسَ، على الأقلِ، في تهمةِ محاولة استخدام سلطاتِه لإجبارِ دولةٍ أجنبيةٍ لفتحِ تحقيقٍ ضِدَ منافسٍ محتملٍ له في انتخابات الرئاسة القادمة، قد أقدمَ على تصرفٍ يبررُ عزله. هذا ما جعل شيخاً جمهورياً (مِت رومني) يجازفُ بالتصويتِ ضِدَ الرئيس ترامب في هذه التهمةِ، حتى لا يذهبَ في التاريخِ أنهُ شاركَ في التغطيةِ على سلوكٍ "مشينٍ" قد يُقْدِمُ عليه أيُ رئيس أمريكي.
سيكتب التاريخُ أن الرئيس ترامب جرى عزلُه من مجلسِ النواب.. ووفرَ مجلسُ الشيوخِ الغطاءَ الدستوري، لإفلاتِه من العدالة، سياسيا وقانونيا، في محاكمة حُجبت عنها الأدلةُ.. وغابَ عنها الشهودُ.. وسيطرَ عليها التعصبُ الحزِبيِ.
الرئيسُ ترامب، لن يكون بعد أزمةِ العزلِ، كما كان قبلهَا.. وإن تظاهرَ بنصرٍ فيه نشوةُ الظفرِ المصطنع، إلا أنه مغموس بمرارةِ الإدانة المؤرِقّة. القضيةُ لم يُسدل الستارُ عنها بَعْدُ. ستتواصلُ "المناكفاتُ" بين الرئيسِ ترامب ومعارضيه في الكونجرسِ والصحافةِ، حتى الثالثِ من نوفمبر/تشرين الثاني العام الحالي، عندما يذهبُ الناخبُ الأمريكيُ لاختيارِ رئيسه القَادِم.. وأعضاء الكونجرس الجديد.
نقلاً عن "عكاظ"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة