من الضغط على نتنياهو إلى اتفاق تاريخي.. كيف أنهى ترامب حرب غزة؟
في مساء الرابع من أكتوبر/تشرين الأول، أجرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتصالًا حاسمًا برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أخبره فيه بوضوح: "لقد انتهت الحرب في غزة".
بهذه الكلمات بدأ مشهد إنهاء حرب استمرت قرابة عامين، وأسفرت عن مقتل نحو 70 ألف فلسطيني وحوالي ألفي إسرائيلي، حسب مجلة "تايم" الأمريكية.
الاتفاق الذي رعته إدارة ترامب بوساطة من مصر وقطر وتركيا جاء في إطار صفقة من مرحلتين، تضمنت وقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى والرهائن، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع المنهك، تمهيدًا لانسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية وبدء مفاوضات تسوية دائمة.
ضغوط ترامب وغضب نتنياهو
بحسب رواية ترامب لمجلة "تايم"، حاول نتنياهو التملص من الصفقة، لكن الرئيس الأمريكي واجهه بغضب، مذكّرًا إياه بكل ما قدمه لإسرائيل خلال ولايته الأولى: من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إلى الاعتراف بسيادتها على الجولان، وصولًا إلى دوره في "الاتفاقيات الإبراهيمية". وأنهى ترامب المكالمة بتحذير صريح: "بيبي، لا يمكنك محاربة العالم".
وفي ختام المكالمة، وافق نتنياهو على اتفاق من مرحلتين يتضمن وقف إطلاق النار مع حماس، وتبادل الأسرى، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع المدمر، وانسحاباً جزئياً للقوات الإسرائيلية، تمهيداً لبدء مفاوضات حول تسوية نهائية. وإذا ما صمدت الهدنة، فستُنهي أطول حرب في تاريخ إسرائيل، خلّفت نحو 2000 قتيل إسرائيلي وأكثر من 70 ألف قتيل فلسطيني.

ومع ذلك، بقي الاتفاق هشًا؛ إذ تأخر تسليم رفات بعض الرهائن، وظهرت تقارير عن اشتباكات جديدة واتهامات بانتهاكات لوقف إطلاق النار.
وأوفد ترامب نائبه جي. دي. فانس إلى المنطقة لضمان استمرارية الاتفاق.
كيف صنع ترامب اللحظة
ويرى ترامب أن نجاح الاتفاق يعود إلى استعداده لاستخدام القوة الأمريكية في الوقت المناسب، فضربة مقتل لقائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، خلال ولايته الأولى، ثم ضربه المنشآت النووية الإيرانية في يونيو/حزيران الماضي، منحه ما سماه "رصيد الردع" الذي أجبر الأطراف المتحاربة على الجلوس إلى الطاولة.
وقال ترامب: "كان من المستحيل إبرام صفقة كهذه من قبل.. لم يكن أي رئيس مستعدًا لاستخدام القوة، وأنا فعلت ذلك، فصار لدينا شرق أوسط مختلف".
من "خطأ نتنياهو" إلى نقطة التحول
بدأت ملامح الاتفاق تتشكل بعد الغارة الإسرائيلية على قيادات حماس في الدوحة، ما اعتبره ترامب "خطأ تكتيكيًا" أغضب قطر والولايات المتحدة، غير أن فريقه رأى في الأزمة فرصة لتوحيد الغضب العربي حول مبادرة سلام شاملة.
وقال جاريد كوشنر، صهر ترامب ومهندس الصفقة: "كانت تلك اللحظة التي جمعتنا جميعًا. لولاها لما جلسنا نتحدث اليوم عن اتفاق غزة".
وخلال اجتماعات الأمم المتحدة، في سبتمبر/ أيلول الماضي، قدّم كوشنر ومبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف خطة من 20 بندًا تتضمن وقف إطلاق النار، وتبادل الرهائن، وضمانات أمنية لإسرائيل، ونزع سلاح غزة، وتشكيل سلطة مدنية جديدة.
استدعى ترامب قادة المنطقة إلى جلسة مغلقة في الأمم المتحدة، بحضور وزير خارجيته ماركو روبيو، حيث دعاهم إلى "إنهاء القتل وبدء سلام دائم".
ولعبت تركيا، بحسب باحثين، دورًا محوريًا عبر تأمين قادة حماس من الضربات الإسرائيلية مقابل التزامهم بالمفاوضات، أما ترامب، فوجه تحذيرًا مباشرًا للحركة الفلسطينية قائلا: "إذا لم تسلموا كل الرهائن، فستواجهون الإبادة الكاملة".
نفوذ شخصي وتأثير مباشر
بفضل شعبيته الكبيرة في إسرائيل، مارس ترامب ضغطًا مزدوجًا على نتنياهو؛ دعم علني وضغط خفي لوقف الحرب.
وقال ترامب: "كان سيستمر القتال لسنوات، لكنني أوقفته. وعندما فعلت، اجتمع الجميع".
ويرى مراقبون أن نجاح المرحلة الثانية من الاتفاق سيتوقف على استمرار انخراط ترامب شخصيًا في العملية، وعلى مدى تأثيره على نتنياهو وبقية الفاعلين.
مستقبل غزة... وسؤال القيادة

يبقى مصير غزة بعد الحرب سؤالًا مفتوحًا. فلا قيادة فلسطينية موحدة، وحماس لن تتنازل بسهولة عن دورها السياسي، بينما يطرح ترامب خيارًا جريئًا بإطلاق سراح القيادي الفلسطيني مروان البرغوثي، الذي يرى فيه كثيرون الشخصية الوحيدة القادرة على توحيد الفلسطينيين.
لكن التحدي الداخلي في إسرائيل لا يقل خطورة، إذ يواجه نتنياهو تمردًا من وزراء اليمين الرافضين لأي مسار نحو دولة فلسطينية. وقد حذر ترامب من أن خطوة كهذه "ستفقد إسرائيل دعم الولايات المتحدة بالكامل".
نحو سلام أوسع... أم هدنة مؤقتة؟
بينما تعمل إدارة ترامب على ترسيخ الاتفاق وإطلاق مشاريع إعادة الإعمار، يوجّه الرئيس أنظاره إلى المرحلة التالية: تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، التي وضعت شرطين لذلك — إنهاء القتال، وفتح طريق موثوق نحو السيادة الفلسطينية.
وقال ترامب بثقة: "لم يعد لدينا تهديد إيران. لدينا سلام في الشرق الأوسط".
لكن حتى أنصاره يدركون أن السلام في المنطقة لا يزال هشًا، فقد نجح ترامب في وقف القتال واستعادة الرهائن وفتح نافذة جديدة للأمل، إلا أن تحويل الهدنة إلى سلام دائم سيتطلب تركيزًا دبلوماسيًا نادرًا.
وعندما سُئل عمّا إذا كان هذا السلام سيستمر بعد رحيله، أجاب ترامب بلا تردد: "طالما أنا هنا، سيتحسن كل يوم. بعد رحيلي؟ لا أستطيع أن أعدك بذلك".