بريكست يشكل فرصة لتعزيز الشراكة الاقتصادية بين لندن وواشنطن، إذ تعتبر السوق الأمريكية الأكبر لتصدير المنتجات بالنسبة لبريطانيا.
قد لا يكون الشبه الخَلْقي بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء البريطاني الجديد بوريس جونسون القاسم المشترك الوحيد بين الرجلين، بل ثمة أمور كثيرة يتشارك فيها الصديقان الحميمان على حد وصف ترامب غير مرة، والذي كان أول من هنأ "منقذ بريطانيا الجديد" كما يصفه مناصروه.
من كل ذلك نستطيع القول إن العلاقة بين الرجلين تتخطى حالة الشبه الخلقي بينهما لتصل إلى نقاط مشتركة من الممكن لها تشكيل ثنائية سياسية واقتصادية وعسكرية كذلك ستكون هذه العلاقة الثنائية ذات طابع ثقيل ووزن كبير على الساحة الدولية بما يحقق قطباً برأسين أمريكي بريطاني.
لم يخف زعيم حزب المحافظين إعجابه بترامب، وما مازح فيه الصحفيين ذات مؤتمر له بأنه يريد استخدام منصة التواصل الاجتماعي تويتر أكثر أسوة بترامب، إلا إيحاء بأنّ الحليفين القويين – أي الولايات المتحدة وبريطانيا- يتجهان نحو سياسة خارجية فيها الكثير من التنسيق، وهذا ما تحتاجه واشنطن في الوقت الراهن في عدة ملفات وعلى رأس ذلك التوتر مع إيران، لأن إدارة ترامب واجهت موقفاً أوروبياً كان مائلاً إلى الوقت الراهن برفض خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي.
وليس هذا فحسب بل لم توافق ألمانيا كذلك على الانضمام إلى قوة عسكرية تقودها واشنطن لحماية الملاحة الدولية في مضيق هرمز.
العلاقة بين واشنطن ولندن تمتاز بالاستقرار منذ 100 عام، فالبلدان تحالفا في الحرب العالمية الأولى والثانية وحرب الخليج الثانية مروراً بحرب أفغانستان وغزو العراق في عام 2003 وليس آخرها التحالف الدولي ضد "داعش". كما أن بريطانيا هي الحليف الرئيس لأمريكا في داخل منظومة الاتحاد الأوروبي، وتستخدمها للضغط على باقي الدول من أجل تمرير سياستها. وتم ذلك في العديد من القضايا، فمثلاً لعبت الخارجية البريطانية دوراً كبيراً في إقناع الاتحاد الأوروبي بالتحالف مع واشنطن في فرض عقوبات على روسيا في عام 2014 وفي المحاولات الأخيرة لمحاربة داعش.
لاشك أن مستقبل العلاقة بين البلدين سيتأثر بمسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إذ إن الإدارات الأمريكية السابقة لم تشجع الخطوة هذه من قبل بينما ثمة موقف مغاير لدى إدارة ترامب التي تبحث عن نفوذ اقتصادي وسياسي في آن واحد بشكل أكبر وخروج بريطانيا سيحقق لها ذلك، وسيخفف من حدة الاعتراضات الأوروبية على سياسة ترامب الخارجية. وهذا لا يعني بالضرورة موافقة الحكومة البريطانية على كل ما تتخذه نظيرتها الأمريكية ولكنها لن تكون المعرقل لأي قرار أمريكي مستقبلي انطلاقاً من الانسجام شبه التام ما بين ترامب وجونسون.
سيشكل الخروج فرصة للإدارتين الجديدتين لتعزيز الشراكة الاقتصادية بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، إذ تعتبر السوق الأمريكية بالنسبة لبريطانيا أكبر سوق لتصدير المنتجات البريطانية إليها بعد الاتحاد الأوروبي، فقد استوردت أمريكا من المملكة المتحدة ما يقارب 54 مليار دولار من سلع وخدمات في عام 2014، ولطالما كان الاقتصاد العامل الأهم في ترسيخ العلاقات بين الدول، وعليه ستكون نقاط الالتقاء أكثر من عناصر الاختلاف.
بالطبع سيكون الموضوع الإيراني أحد أهم المشتركات بين واشنطن ولندن، خاصة بعد التهديدات الإيرانية للتأثير على الملاحة الدولية في مضيق هرمز الذي يعبر منه خُمس النفط العالمي، وهذه نقطة حيوية لا يمكن للدولتين الكبريين التغاضي عنها. ومن هذا المنطلق تعملان على محاصرة إيران، وهذا أول ما تم نقاشه في المكالمة الهاتفية الأولى بعد وصول جونسون لمنصب رئيس وزراء بريطانيا.
يضاف إلى الموضوع الإيراني النظرة المشتركة للحليفين تجاه روسيا، فالعلاقات معها ليست في أفضل أحوالها سواء للولايات المتحدة أو بريطانيا، خاصة بعد اتهام روسيا بالتورط في تسميم الضابط السابق في المخابرات العسكرية الروسية سيرغي سكريبال وابنته يوليا في 4 مارس/آذار 2018.
من كل ذلك نستطيع القول إن العلاقة بين الرجلين تتخطى حالة الشبه الخلقي بينهما لتصل إلى نقاط مشتركة من الممكن لها تشكيل ثنائية سياسية واقتصادية وعسكرية، كذلك ستكون هذه العلاقة الثنائية ذات طابع ثقيل ووزن كبير على الساحة الدولية بما يحقق قطباً برأسين أمريكي بريطاني بوجه القطب الثنائي الصاعد الروسي الصيني الذي تحسب له واشنطن ألف حساب على المستويين السياسي والاقتصادي، فكثير من القرارات التي أرادت الإدارات الأمريكية تمريرها في مجلس الأمن اصطدمت بالفيتو الروسي الصيني، وعليه لا بد للولايات المتحدة من حامل على المستوى الأوروبي يعزز مكانتها أكثر مما عليه على الساحة العالمية، وهذا لم يتحقق إبان الحكومات البريطانية السابقة التي كانت تصدم بمعارضات شديدة تجاه كثير من القضايا المشتركة بين الطرفين. ولعل تصويت مجلس العموم البريطاني ضد المشاركة في توجيه ضربة عسكرية لسوريا فترة ولاية ديفيد كاميرون، يؤكد هذه الحقيقة حينها كان جونسون عضواً لحزب المحافظين الحاكم ومن الداعين إلى إجراء تصويت ثان عقب هزيمة الحكومة في التصويت الأول الأسبوع الماضي، ما يشي بأن الرجل يساند بوجه نظره واشنطن حتى قبل تسلمه منصبه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة