والفارق بين ريغان وترامب يكمن في أن الأول رغم كونه ممثلاً سينمائياً سابقاً، إلا أنه خرج من رحم المؤسسة السياسية الأميركية، حيث احتل منصب حاكم كاليفورنيا من العام 1967 –1975. بينما لم يتسلم ترامب أي منصب حكومي،
تفاجأ العالم بفوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وقد تواصلت ردود الفعل بين مفجوع ومتذمر وساخط ومذهول، وكأنما أعلن عن نهاية العالم.
وقد تأثرت الأسواق بنبأ فوز ترامب وشهدت تراجعات كبيرة في الأسواق العالمية والأميركية. وقلة قليلة تندرت بنجاح ترامب، وما انفكت الوسائط الاجتماعية تتهكم وتسخر وتتداول النكات على هذا الحدث المهم.
ويعود السبب في الذهول على هذه النتائج إلى عدم إمكانية الاعتماد على استطلاعات الرأي حول مرشح خلافي كترامب. فكثير من المستطلعين لا يبوحون بنواياهم الحقيقية بسبب خجلهم من تصنيفهم بأنهم معادون للأجانب وعنصريون ومتطرفون. والسبب الآخر هو النظام الانتخابي الذي يسمح للمرشح الأقل شعبية بالفوز بسبب توزيع الأصوات على الولايات لا على الناخبين بشكل مباشر.
كما حصل في القرن التاسع عشر مع غروفر كليفلاند وحصل حديثاً مع جورج بوش الابن، وكما حصل في هذه الانتخابات مع كلينتون وترامب، حيث حصدت المرشحة الديمقراطية غالبية الأصوات الشعبية وحصل المرشح الجمهوري على غالبية أصوات الولايات.
ولعل السبب الأهم هو إغفال المؤسسة الأميركية الحاكمة لكثير من البيض في المناطق الريفية، ولكثير من الطبقات العمالية في المناطق الصناعية التي رأت مدخولها يتناقص وكدحها يزيد.
ولكن ما يهمنا هو فهم مغزى انتخاب ترامب إلى سدة الحكم، وخاصة في ما يتعلق بالشرق الأوسط والخليج العربي. من المهم تذكر أن الولايات المتحدة تحكمها مؤسسات ضاربة جذورها في التاريخ والواقع الاجتماعي والسياسي الأميركي.
فقد أصاب الكثير نفس الهلع من انتخاب الرئيس رونالد ريغان في العام 1980، ولكن سياسته الخارجية لم تختلف كثيراً عن الرؤساء السابقين في البيت الأبيض تجاه العالم العربي، رغم خطابته البلاغية وتشدده في الحرب الباردة.
والفارق بين ريغان وترامب يكمن في أن الأول رغم كونه ممثلاً سينمائياً سابقاً، إلا أنه خرج من رحم المؤسسة السياسية الأميركية، حيث احتل منصب حاكم كاليفورنيا من العام 1967 –1975. بينما لم يتسلم ترامب أي منصب حكومي، ناهيك عن انتخابه إلى منصب معين. ومع ذلك فإن مؤسسات الأمن القومي والسياسة الخارجية والكونغرس سيشكلان قيوداً قد تتسع أو تضيق حسب ثباته في سياسته الداخلية والخارجية.
فبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي، فإن ترامب سيتبع سياسة أكثر تحفظاً لجهة التدخل في المنطقة. وسيطالب حلفاء واشنطن الإقليميين والدوليين بتحمل أعباء تكاليف أمن المنطقة، وخاصة الأوروبيين والآسيويين، على اعتبار أنهم أكثر اعتماداً على نفط المنطقة.
ولكن في نفس الوقت سيعتمد ترامب على حلفائه الإقليميين وتقويتهم عسكرياً للدفاع عن أنفسهم ضد الأطماع التي تؤثر في المصالح الأميركية في المنطقة.
وعلى هذا الأساس قد نرى فتوراً أو ضغوطاً أكبر على إيران من إدارة ترامب، وخاصة إذا ما حاولت إيران الغش في الاتفاقية النووية أو تطوير منظومة الصواريخ البالستية، حيث إن هناك تشككاً كبيراً في واشنطن حول نوايا إيران في تطوير هذه الصواريخ التي قد تستخدم لحمل رؤوس نووية. ولعل دول الخليج تستطيع التعاون في هذا المجال لتطبيق اتفاقية حظر تطوير الصواريخ بعيدة المدى.
هناك مساحة أخرى من التعاون بين دول المنطقة في ما تعلق بالتطرف الديني. فدول المنطقة تنبذ استغلال الدين في السياسة. وترى أن تسييس الدين أو تديين السياسة خطر مستطير على المنطقة واستقرارها.
كما أن هناك مجالات أخرى في هذه المضمار كمحاربة الإرهاب والتطرف. فدول المنطقة تعاني من الإرهاب والتطرف وترامب يتوجس من هذا الموضوع، وقد يخلق أرضية مشتركة للتعاون بين دول الخليج والولايات المتحدة.
بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، فالعلاقة بين واشنطن والقاهرة قد تشهد دفئاً بعد البرود الذي شهدته العلاقة في عصر أوباما. وقد تفضل واشنطن تقوية القوى الإقليمية كما فعلت إدارة ريتشارد نيكسون بعد ورطة فيتنام. ومن ضمن هذه السياسة سيكون تقوية دور مصر التي سيناط بها دور أكبر.
أما في بلاد الشام، فإن ترامب صرح في أكثر من مناسبة بتقبله لتعزيز نفوذ روسيا في محيطها الإقليمي؛ وحتى القبول بضمها لشبه جزيرة القرم. وقد تكون هناك مساومة للبحث عن حل لسوريا يفي بمصالح موسكو ويوقف الحرب الأهلية التي استمرت ست سنوات. ويتباهى ترامب بأنه مفاوض جيد ويتقن المقايضة وعقد الصفقات.
وقد تكون هذه أول بواكير أعماله لإثبات مصداقية مهاراته الدبلوماسية، وخاصة أن بوتين يريد إعطاءه نصراً ويثق فيه أكثر من الساسة الأميركيين، كما أن بوتين لا يريد استنزافاً أكبر لمقدراته في ظل تدني أسعار النفط. وأي حل للقضية السورية سيصب في مصلحة الزعيمين اللذين يحرصان على هزيمة داعش وأخواتها.
وبالنسبة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، فلا يبدو أن ترامب يهتم بهذه المشكلة، إلا إذا دعت الضرورة إلى التدخل في أزمة كبيرة أو حرب قد تتورط فيها إسرائيل. وسيستمر الدعم الأميركي لإسرائيل وتدفق المساعدات العسكرية والتبادل الاستخباراتي وتطوير التقنية العسكرية وإلى ما هنالك من تعاون قائم منذ أمد بعيد. فإسرائيل ليست قضية سياسة خارجية ولكنها قضية أميركية داخلية بامتياز.
*نقلا عن البيان
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة