هل أوباما محصن من المحاكمة؟

بين معركة السياسة وقوانين الحصانة، يطرح ملف أوباما سؤالا قانونيا حاسما: هل تحميه الحصانة الرئاسية من المحاكمة؟
ففي ظل تصاعد دعوات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحلفائه لفتح تحقيق مع الرئيس الأسبق باراك أوباما على خلفية اتهامات تتعلق بتوجيه أجهزة الاستخبارات لتلفيق معلومات عن تدخل روسيا في انتخابات عام 2016، تبرز أمام هذه المطالب عقبة قانونية رئيسية تمثلها الحصانة الرئاسية.
هذه المطالب، وإن بدت صاخبة إعلاميا، لكنها تصطدم بجدار قانوني صلب يتمثل في مبدأ الحصانة الرئاسية، الذي تحول إلى محل جدل دستوري يتجاوز الأشخاص ليطول جوهر توازن السلطات في النظام الأمريكي. بحسب ما طالعته "العين الإخبارية" في شبكة "سي إن إن".
«خيانة أوباما».. القرار بيد وزارة العدل وغابارد تكشف وثائق جديدة
فهل يمكن محاكمة أوباما؟
الدستور يقول: على الأرجح لا.
تستند فكرة عدم ملاحقة أوباما إلى السوابق القضائية الحديثة، وأبرزها قرار المحكمة العليا في قضية "ترامب ضد الحكومة الأمريكية"، الذي عزز نطاق الحصانة التي يتمتع بها الرئيس في أثناء أداء مهامه الرسمية.
ووفقا لهذا القرار، فإن كل الأفعال التي تدخل ضمن "السلطات التنفيذية الأساسية" للرئيس تتمتع بحصانة مطلقة، بل حتى ما يقع على "الهامش الخارجي لمسؤولياته الرسمية" يُفترض أنه محمي، ما لم تثبت الحكومة أن الملاحقة لا تُقيد سلطة الرئيس أو تهدد وظائف السلطة التنفيذية.
وتنص الصيغة التي تبنتها المحكمة العليا على أن "الأفعال التي تدخل ضمن النطاق الخارجي لمسؤوليات الرئيس لا يجوز ملاحقتها، ما لم تُثبت الحكومة أن ذلك لا يشكل خطرا على استقلال السلطة التنفيذية".
ما يعقد الأمور أكثر أن ترامب نفسه كان من أشد المدافعين عن هذا التفسير الواسع للحصانة الرئاسية، حيث أكد محاموه خلال جلسات المحكمة العليا أن الرئيس يجب أن يتمتع بحصانة جنائية شبه مطلقة، محذرين من أن غيابها سيقوّض قدرة الرئيس على أداء مهامه.
وبالنسبة لمحامي ترامب، دي جون ساور، فإنه "من دون حصانة جنائية، لن يبقى للرئاسة معناها المعروف".
وقد ذهب ساور إلى أبعد من ذلك، عندما ألمح إلى أن الرئيس يمكنه -نظريا- إصدار أوامر خطيرة، بما فيها اغتيال خصوم سياسيين، دون أن يتعرض للملاحقة، طالما أن ذلك يدخل ضمن مهامه الرسمية.
أوباما يرد
وفي رد على هذا الأمر، وصف المتحدث باسم أوباما الاتهامات بأنها "مزاعم شنيعة ومضللة لا تليق بمكتب الرئاسة".
وقال المتحدث باتريك رودنبوش: "احتراما لمكتب الرئاسة، لا يُقدّر مكتبنا عادة الهراء والمعلومات المضللة التي تتدفق باستمرار من البيت الأبيض، لكن هذه المزاعم شنيعة بما يكفي لتستحق الرد".
وأضاف: "هذه المزاعم الغريبة سخيفة ومحاولة واهية لصرف الانتباه".
التحقيق مع أوباما.. معضلة قانونية
من الناحية القانونية، يوضح أساتذة القانون الدستوري أن التواصل مع أجهزة الاستخبارات يعد من صميم واجبات الرئيس، مما يجعل الادعاءات تعتمد على إثبات أن أوباما خرج عن نطاق مهامه الرسمية، وهو أمر يصعب إثباته.
وهو ما أوضحه البروفيسور ريك هاسن، قائلا إن "التواصل مع مسؤولي الاستخبارات يُعد من صميم واجبات الرئيس."
أما البروفيسور ريتشارد لازاروس من جامعة هارفارد، فأشار إلى أن الفرق الجوهري يكمن في السياق.
وقال لازاروس "إذا كان أوباما يتحدث مع أجهزته ضمن إطار دوره الرئاسي، فذلك محمي. أما إذا خرج عن ذلك لدعم حملة هيلاري كلينتون، فالمسألة تصبح أكثر تعقيدًا - لكنها تبقى بعيدة عن الإثبات".
ترامب يحمي نفسه... ويعجز عن ملاحقة سلفه
أما المفارقة الكبرى، فتتمثل في أن المعايير التي دافع عنها ترامب لدرء محاكمته في السابق أصبحت عائقا أمام محاولاته لملاحقة أوباما، خاصة مع قرار المحكمة العليا الذي يمنع استخدام أدلة من أفعال رسمية في التحقيقات.
وفي ضوء قرار المحكمة العليا، فإن استخدام أي أدلة مستمدة من "أفعال رسمية" في التحقيق مع رئيس -سابق أو حالي- أمر محظور. وهذا ما يعقّد مساعي بناء قضية متماسكة ضد أوباما، حتى وإن توافرت النوايا السياسية.
الحصانة باقية.. حتى إشعار آخر
ما يبدو في ظاهره تصعيدا سياسيا ضد أوباما، قد لا يتعدى كونه مناورة دعائية لامتصاص الضغوط داخل معسكر ترامب، خاصة مع التغطية المتزايدة لقضية إبستين في الإعلام المحافظ، بحسب "سي إن إن".
لكن سياسيا وقانونيا، فإن المسألة تسلط الضوء على الازدواجية في خطاب ترامب، فهو من جهة يدافع عن حصانة مطلقة للرئيس حين يتعلق الأمر به، ومن جهة أخرى يطالب بتجاوزها عندما يتعلق الأمر بخصومه.
وقد يكون عنوان هذه المرحلة: "الحصانة لي... لا لك".
aXA6IDIxNi43My4yMTcuNSA= جزيرة ام اند امز