ترامب وحرب أوكرانيا و«الأوراق المبعثرة».. لعبة وقت
تعقيدات المشهد في أوكرانيا تتزايد بفشل كل محاولات الضغط والتهديد في تغيير مسار الحرب أو الدفع نحو وقف التصعيد والدخول بمفاوضات.
وبات واضحًا أن الوقت تأخر كثيرًا أمام الولايات المتحدة لتنسحب من الصراع، رغم رغبة إدارة الرئيس دونالد ترامب في إنهائه، بحسب موقع مجلة «ريسبونسبول ستيت كرافت».
ورغم أن إصرار ترامب أن هذه «حرب بايدن»، في إشارة لسلفه جو بايدن، فإن مرور قرابة عام على وجوده في السلطة يجعل نتائج نهاية الحرب - مهما كانت طبيعتها - مسؤوليته المباشرة.
جبهة بوكرُفسك… انعكاس لصراع أكبر
على الجبهة الشرقية، تتجه الأنظار إلى مدينة بوكرُفسك الاستراتيجية، حيث يبدو سقوطها في يد القوات الروسية مسألة وقت لا أكثر.
غير أن هذا التطور، رغم أهميته، لن يساهم في نهاية الحرب، فالأطراف الرئيسية - موسكو وكييف والغرب - لا تظهر أي استعداد لوقف القتال، وفق المجلة.
والأسوأ أن الشهرين القادمين قد يحملا أعلى مستويات الخطورة منذ بدء الحرب قبل 4 سنوات، مع تزايد اليأس داخل القيادة الأوكرانية، وارتفاع منسوب التهديدات النووية بين موسكو وواشنطن.
ويعكس موقف روسيا في الجبهة ثقة متزايدة بقدرتها العسكرية واعتقادًا بأن الكلفة - رغم ارتفاعها - لا تزال مقبولة مقارنة بالرهانات السياسية الوجودية المرتبطة بنتائج الحرب.
في المقابل، يعكس موقف كييف ضعفًا أكثر منه صلابة؛ فالقادة الأوكرانيون يدركون حاجتهم لوقف إطلاق النار، لكنهم يخشون أن يقود ذلك إلى تسوية مؤقتة تُمهّد لهجوم روسي أكبر في المستقبل.
ووفقًا لهذا المنطق، اختارت كييف الخسارة البطيئة على الاستسلام السريع، وهي استراتيجية مفهومة لكنها شديدة الخطورة.
أوروبا تستفيد من إطالة أمد الحرب
رغم دعواتها الشكلية لوقف النار، فإن أوروبا ليست في عجلة لإنهاء الحرب، فإطالة أمد الصراع يمنحها الوقت لتعزيز قدراتها العسكرية، ويحدّ من قدرة روسيا على تهديد أراضي حلف شمال الأطلسي «الناتو».
غير أن نهاية القتال ستفرض على الأوروبيين التزامات ضخمة تتعلق بإعادة إعمار أوكرانيا وتحديد مستقبل علاقتها بالمؤسسات الأوروبية، وهي تحديات تفضّل العواصم الأوروبية تأجيلها قدر الإمكان.
مقاربة واشنطن: رغبة بلا عجلة
في واشنطن، يريد ترامب بالفعل «وقف الحرب»، لكنه لا يبدو في عجلة للتحرك الفعّال نحو هذا الهدف. وبعد نقل العبء الأكبر من تمويل وتسليح أوكرانيا إلى أوروبا، تعاملت الإدارة الأمريكية مع الحرب كملف يمكن احتواؤه سياسيًا وماليًا من مسافة آمنة.
غير أن هذه المقاربة محفوفة بمخاطر كبيرة، أبرزها احتمال انهيار الجيش الأوكراني، ما سيجبر واشنطن على الاختيار بين زيادة الدعم العسكري، أو الانسحاب وترك كييف تواجه مصيرها، أو فرض تسوية مذلّة على أوكرانيا.
كما تبرز مخاطر التصعيد غير المقصود الذي قد يدفع واشنطن إلى الانخراط في الحرب بصورة أعمق، في ظل محاولة كييف توسيع نطاق الصراع لاستجلاب تدخل أوروبي أو أطلسي مباشر.
ما الذي يريده بوتين… وما الذي يمكن أن تقدمه واشنطن؟
في هذه المرحلة المعقدة، يبدو أن أفضل ورقة تمتلكها واشنطن ليست التهديدات، بل الحوافز، فترامب لا يهتم كثيرًا بتفاصيل التسوية، بل بما يؤدي إلى وقف القتال.
بينما يأخذ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه التفاصيل على محمل الجد، لأنها ترتبط بأهداف سياسية واقتصادية لا يمكنه تحقيقها بالقوة وحدها.
فموسكو تحتاج إلى مشاركة الولايات المتحدة لضمان عدم توسع «الناتو» شرقًا، ولفتح الباب أمام تخفيف العقوبات التي تخنق الاقتصاد الروسي.
ويمكن لإدارة ترامب استغلال هذا التفاوت عبر تقديم عرض مفاده أن واشنطن مستعدة للتفاوض على الملفات الكبرى التي تهم موسكو، ولكن لفترة زمنية محدودة.
وبعد انتهاء هذه المهلة، ستظل واشنطن مستعدة للمساهمة في تسوية محدودة، لكن الصفقات الكبرى وإعادة رسم الخريطة الأمنية في أوروبا لن تكون مطروحة.
وهذا يعيد وضع بوتين أمام خيار مصيري: إما الاستمرار في السعي لتحقيق المكاسب الإقليمية عبر الحرب، أو محاولة الحصول على مكاسب سياسية واقتصادية استراتيجية لا تتوافر إلا عبر صفقة مع واشنطن.
وقد يختار استمرار القتال، لكن من موقع يدرك فيه أن الوقت ليس لصالحه وأن أي نصر عسكري قد يفقد جزءًا كبيرًا من قيمته إذا ضاعت منه الفرصة لتحقيق «الأسباب الجذرية» التي خاض الحرب من أجلها.
فوائد استراتيجية.. حوافز واشنطن
هذه المقاربة تتيح للولايات المتحدة مكاسب كبيرة مقابل مخاطر محدودة: فهي لا تلزمها بتقديم تنازلات محددة، ولا ترفع مستوى التوتر مع موسكو، وتحافظ على دعمها لأوكرانيا دون توسيع دورها في الحرب.
كما توجه رسالة واضحة لأوروبا وكييف بأن واشنطن لن تزيد انخراطها العسكري، وتربط أي صفقة أمريكية-روسية بضرورة إحراز تقدم فعلي في المسار الأوكراني، ما قد يفتح الباب أمام اختراق دبلوماسي حقيقي.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTU4IA== جزيرة ام اند امز