«هدنة» أوكرانيا.. ماذا لو رفضت روسيا وقف إطلاق النار؟

في ظل الجهود الرامية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، يبرز السؤال الملح: ماذا سيحدث إذا أصر الرئيس الروسي على رفض وقف إطلاق النار؟
ووفق صحيفة تليغراف البريطانية فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يسعى للعب دور الوسيط، يواجه اختبارًا حقيقيًا لقدرته على التأثير في مسار الأحداث. فهل سيلجأ إلى الدبلوماسية الناعمة، أم سيختار الضغط الاقتصادي والعسكري؟ وما هي الأوراق التي يمتلكها في جعبته لإقناع بوتين بالعدول عن موقفه؟
حتى الآن، أظهرت المفاوضات ميلاً من جانب فريق ترامب نحو الاستجابة لمطالب روسيا، وهو ما أثار استياء بعض الأطراف. لكن مع اقتراب لحظة الحقيقة، يبدو أن حسابات ترامب قد تغيرت.
بعد نجاح الولايات المتحدة في إقناع أوكرانيا بقبول اقتراحها لوقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا – وهي خطوة أوسع نطاقًا من مجرد وقف الهجمات البحرية والجوية الذي اقترحته بريطانيا وفرنسا – أصبح الأمر الآن في يد روسيا. لكن بوتين لم يُظهر حتى الآن أي إشارة حقيقية إلى استعداده لوقف القتال، خاصة مع استمرار قواته في التقدم في منطقة كورسك.
وفي مؤتمره الصحفي السنوي في ديسمبر/كانون الأول، أشار بوتين إلى أن وقف القتال لن يؤدي إلا إلى منح أوكرانيا فرصة لإعادة التسلح وتجديد مخزونها العسكري. لكن الرئيس الروسي يواجه الآن مأزقًا حقيقيًا، فكما قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو: إذا رفضت روسيا الاتفاق، "فسنعرف من هو العائق أمام السلام".
الخيارات المتاحة أمام ترامب
إذا ما أصر بوتين على الرفض، فقد تلجأ إدارة ترامب إلى تغيير جذري في سياستها تجاه أوكرانيا، والانتقال إلى دعم كييف بشكل كامل. وإذا حدث ذلك، فإن ترامب سيثير بالتأكيد مخاطر إصرار بوتين على رفض الاتفاق خلال المكالمة الهاتفية التي ستجمعهما هذا الأسبوع.
في الواقع، هناك عدة أوراق يمكن لترامب استخدامها للضغط على بوتين، منها:
إعادة دمج روسيا دبلوماسيًا
يمكن لترامب ربط إمكانية إنهاء عزلة موسكو الدبلوماسية ومشاركتها في مشاريع اقتصادية مشتركة، بموافقة الكرملين على وقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا.
لطالما اعتبر بوتين وجود قوات الناتو بالقرب من الحدود الروسية إهانة غير مقبولة. وفي إطار اتفاق سلام محتمل، قد يقترح ترامب سحب جزء من القوات الأمريكية المتمركزة في أوروبا (والبالغ قوامها حوالي 30 ألف جندي)، مما يمنح موسكو مساحة أكبر في محيطها الذي تعتبره منطقة نفوذ خاصة بها.
يمكن لترامب أن يشير إلى أن الطريقة الوحيدة التي تمكنه من اتخاذ مثل هذه الخطوة المثيرة للجدل هي أن يثبت بوتين على الفور استعداده للسلام، وهي خطوة من شأنها أيضًا أن تسمح للزعيمين بدحض توقعات العديد من القادة الغربيين.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن لترامب ربط إعادة قبول روسيا في مجموعة السبع (G7) والمنتديات الدبلوماسية الأخرى بوقف سريع لإطلاق النار.
بالنسبة لبوتين، فإن وقف القتال لمدة 30 يومًا – وهي فترة من غير المرجح أن يتمكن خلالها من تغيير شكل ساحة المعركة بشكل أساسي – سيكون بمثابة حبة صغيرة نسبيًا يمكن ابتلاعها في مقابل التطبيع المحتمل للعلاقات مع الولايات المتحدة وتحقيق هدفه المتمثل في معارضة وجود الناتو بالقرب من حدوده.
ولدفعه في هذا الاتجاه، يمكن تصور أن يقدم ترامب للزعيم الروسي قائمة كاملة بالمشاريع الدبلوماسية والاقتصادية المحتملة، مثل التطوير المشترك للقطب الشمالي، ويقول إنه مقابل كل يوم يؤخر فيه بوتين وقف إطلاق النار هذا الذي يبني الثقة، سيتم سحب المزيد من هذه الخيارات من على الطاولة.
تخفيف العقوبات
تتعلق نقطة الضغط الرئيسية الثانية بالإجراءات الحالية التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا، ولا سيما العقوبات. وقد أعرب ترامب وقت سابق من هذا الشهر عن أول علامة على إحباطه من موسكو، محذرًا من أنه مستعد لفرض عقوبات جديدة على النظام إذا استمر في "قصف" أوكرانيا بينما يسعى إلى السلام.
تشير الصحيفة إلى أنه لا يوجد الكثير مما يمكن أن تفعله واشنطن فيما يتعلق بتصعيد الإجراءات ضد الصناعة الروسية – فقد انخفض فائضها التجاري إلى أكثر من النصف (من 337 مليار دولار إلى 151 مليار دولار) بفضل القيود الحالية على صناعات الطاقة والتعدين والسلع الفاخرة. لكن الولايات المتحدة يمكن أن تفرض عقوبات ثانوية على الدول التي ساعدت روسيا في تجنبها حتى الآن – على سبيل المثال، الهند، التي تستورد النفط الروسي.
في المقابل، يمكن للرئيس الأمريكي أن يربط استعداده لرفع العقوبات عن الطاقة الروسية، وهو مطلب رئيسي لبوتين، بوقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا. يمكن لترامب أن يقول: "أوقفوا القتال، ويمكننا البدء في الحديث على الفور عن التخفيف".
هناك مكافآت محددة يمكن للرئيس الأمريكي أن يقدمها للزعيم الروسي، مثل شراء الولايات المتحدة لمشروع "نورد ستريم 2" والإشراف على تشغيل خطوط الأنابيب التي ستنقل الغاز الروسي مرة أخرى إلى أوروبا.
القيود العسكرية
المصدر الأخير للنفوذ الأمريكي هو الأسلحة والدعم العسكري لأوكرانيا. فقد حققت القوات الروسية تقدما سريعا في كورسك بعد قرار ترامب بتعليق تبادل المعلومات الاستخباراتية.
ومن المؤكد أن الرئيس الروسي سيحاول جعل هذا الدعم جزءًا من اتفاق وقف إطلاق النار الأولي. وقد لا يرضي ذلك كييف أو حلفائها الأوروبيين، لكن ترامب يمكن أن يعلق المساعدات مرة أخرى، ويصور ذلك بأنه يتماشى مع رغبته في العمل كوسيط "محايد" للسلام.
إذا كانت هذه هي الجزرة، فإن العصا واضحة: إمدادات متزايدة من الدبابات والصواريخ والمركبات القتالية المدرعة.
وقد يقول الرئيس الأمريكي سرًا: "هذه هي فرصتك، اغتنمها أو لن تحصل على فرصة أفضل".
aXA6IDMuMTQ1Ljc0LjE0MCA= جزيرة ام اند امز