صناعة السفن الأمريكية في عهد ترامب.. مشروع إنقاذ أم مقامرة سياسية؟
بناء سفينة شحن في أمريكا أغلى بخمسة أضعاف من نظيرتها الآسيوية

صناعة السفن الأمريكية تواجه أزمة غير مسبوقة، خاصة أن خطة ترامب بإنعاشها تواجه صعوبات كبيرة بسبب التكاليف العالية والإنتاج البطيء مقارنة بآسيا.
يسعى الرئيس ترامب وبعض أعضاء الكونغرس إلى إحياء صناعة بناء السفن الأمريكية المتعثرة لمنافسة الصين، التي تعتبر أكبر مُصنّع للسفن في العالم بلا منازع، بحسب ما أفادت نيويورك تايمز.
فبينما يعول البيت الأبيض على استثمارات بمليارات الدولارات وتشريعات حمائية، تكشف الوقائع على الأرض عن فجوة هائلة بين الطموحات والإمكانيات.
فمن ناحية، تعاني أحواض بناء السفن المحلية من نقص حاد في القدرات، حيث لا يتجاوز إنتاجها سفينة ونصف سنوياً، مقارنةً بسفينة أسبوعياً في كوريا الجنوبية. ومن ناحية أخرى، تبلغ تكلفة البناء في أمريكا خمسة أضعاف نظيرتها الآسيوية، ما يضع علامات استفهام حول جدوى الخطط الحكومية.
ووسط هذا المشهد، تبرز تجربة "هانوا" الكورية في فيلادلفيا كمختبر حي لنجاح أو فشل هذه الرؤية. لكن التاريخ لا يبشر بالخير، فمحاولات سابقة لإحياء الصناعة باءت بالفشل، كما يذكرنا خبراء مثل كولين جرابو من معهد كاتو.
السؤال الأكبر:
هل يمكن لسياسات حمائية وضخ أموال طائلة أن تعيد للصناعة عافيتها، أم أن المنافسة الآسيوية، خاصة الصينية التي تنتج نصف السفن عالمياً، جعلت المعركة خاسرة مسبقاً؟ الإجابة قد تحدد مصير أحد أهم القطاعات الاستراتيجية لأمريكا.
ويواجه ترامب وحكومته هدفٌ مُرهِق لدرجة أن بعض خبراء الشحن يقولون إنه مُقدَّرٌ له الفشل.
في المقابل، يرى محللون ومسؤولون تنفيذيون أكثر تفاؤلاً أن إدارة ترامب والكونغرس قد ينجحان، ولكن فقط إذا كانا على استعداد لإنفاق مليارات الدولارات على مدى سنوات عديدة.
ومن الأماكن التي قد تتبلور فيها أحلام واشنطن البحرية أو تنهار، حوض بناء سفن على الحافة الجنوبية لفيلادلفيا، اشترته العام الماضي إحدى أكبر شركات بناء السفن في العالم، وهي تكتل كوري جنوبي يُعرف باسم "هانوا."
وقال ديفيد كيم، الرئيس التنفيذي لشركة "هانوا فيلي" لبناء السفن، في مقابلة: "صناعة بناء السفن في أمريكا مستعدة للتقدم".
ولكن لتحقيق ذلك، كما قال، يجب أن يكون لدى الحوض تدفق مستمر من الطلبات على السفن الجديدة.
وستحتاج الحكومة الفيدرالية إلى سياسات تدعم السفن المصنعة في أمريكا وتعاقب شركات الشحن التي ترسو في الموانئ الأمريكية على استخدام السفن الأجنبية.
وفي الشهر الماضي، أصدر ترامب أمرًا تنفيذيًا يهدف إلى إنعاش صناعة بناء السفن الأمريكية، وقال عند إعلانه عن الأمر، "سننفق مبالغ طائلة على بناء السفن، نحن متأخرون جدًا جدًا".
وفي أبريل/نيسان، وضع مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة قواعد جديدة تُعاقب السفن الصينية وتشترط بناء سفن تجارية معينة في الولايات المتحدة.
وفي الكونغرس، يدفع المشرعون من كلا الحزبين بمشروع قانون ضخم يتضمن دعمًا كبيرًا لتعزيز صناعة بناء السفن الأمريكية.
الكثير من العقبات في مواجهة هذا الحلم
وتقول نيويورك تايمز إن هناك العديد من العقبات التي يجب التغلب عليها أولا، منها أنه لن تتسع أحواض بناء السفن في فيلادلفيا للطلبات الجديدة حتى عام 2027، كما أن أحواض بناء السفن الأمريكية الأخرى منشغلة جدًا بتلبية طلبات البحرية لدرجة أنها لا تملك القدرة على إنتاج سفن تجارية.
ويستغرق بناء السفن في الولايات المتحدة وقتًا أطول بكثير منه في آسيا، وتكلفته أعلى بنحو خمسة أضعاف.
وقال كيم إن حوض بناء السفن في فيلادلفيا يُنتج سفينة ونصف تقريبًا سنويًا، مقارنةً بسفينة واحدة أسبوعيًا تقريبًا في منشآت هانوا الأكبر في موطنها الأصلي بكوريا.
وأضاف أن الشركة ستُقدم أساليب، مثل اللحام الآلي، لتسريع الإنتاج في الحوض الذي تبلغ مساحته حوالي 115 فدانًا في فيلادلفيا.
ورفض كيم الإفصاح عن المبلغ الذي تنوي الشركة استثماره في حوض بناء السفن الأمريكي التابع لها، والذي اشترته مقابل 100 مليون دولار.
وقال كولين جرابو، المدير المساعد في معهد كاتو، وهي منظمة بحثية عن الاقتصاد، إن التوجه نحو بناء السفن جعله يشعر بشعور غريب بأنه قد مر بتجربة مماثلة.
ويقصد هنا، أن جهود حكومات أمريكية سابقة لتشجيع بناء السفن المحلية سبق وأن فشلت فشلاً ذريعاً، بما في ذلك محاولة إنتاج المزيد من السفن التجارية في فيلادلفيا بعد إغلاق القاعدة البحرية في المدينة عام ١٩٩٥، وقال السيد جرابو، "لقد سلكنا هذا الطريق من قبل".
وبالإضافة إلى الصين، تُبنى السفن التي تنقل البضائع من وإلى الولايات المتحدة في اليابان وكوريا الجنوبية ودول أخرى صديقة لأمريكا.
وعادةً ما تكون هذه السفن مملوكة ومدارة من قبل شركات شحن عالمية، العديد منها مقرها في أوروبا وآسيا.
لكن مع الارتفاع الهائل في إنتاج السفن التجارية الصينية في السنوات الأخيرة، شعر المشرعون في واشنطن بالقلق من أن الصين تكتسب ميزة استراتيجية لا تُضاهى.
هيمنة صينية على القطاع لمدة تزيد عن عقد
وخلال السنوات العشر الماضية، سلّمت شركات بناء السفن الصينية 6,765 سفينة تجارية، أي ما يقرب من نصف عمليات التسليم العالمية، وفقًا لبيانات شركة BRS Shipbrokers.
وسلّمت اليابان 3,130 سفينة، وكوريا الجنوبية 2,405، والولايات المتحدة 37 سفينة فقط.
وعادةً ما تقتصر عمليات نقل البضائع التي تقوم بها السفن الأمريكية القليلة التي تشتريها شركات الشحن، فيما بين الموانئ الأمريكية فقط.
وبموجب قانون جونز، وهو قانون عمره أكثر من 100 عام، لا يمكن القيام برحلات نقل بين الموانئ الأمريكية، إلا بواسطة سفن أمريكية الصنع.
وبلغت تكلفة آخر طلبية بناء ثلاث سفن حاويات متوافقة مع قانون جونز، أبرمها المالك السابق لحوض بناء السفن في فيلادلفيا، نحو 330 مليون دولار للسفينة الواحدة.
وصرح جيمس لايتبورن، مؤسس شركة كافاليير شيبينغ، وهي شركة استشارية لتمويل السفن، بأن بناء سفينة مماثلة الحجم لهذه السفن في آسيا سيكلف حوالي 70 مليون دولار فقط .
وفي مشروع قانون بناء السفن، يسعى المشرعون الديمقراطيون والجمهوريون إلى معالجة فرق التكلفة من خلال دعم شركات الشحن لتأسيس 250 سفينة أمريكية الصنع تعمل بطواقم أمريكية في "أسطول تجاري استراتيجي".
ويمنح مشروع القانون لوزير الدفاع حق استدعاء هذه السفن لمهام الإمداد.
ويأمل المشرعون أن يؤدي تجميع مثل هذا الأسطول، بالإضافة إلى حوافز أخرى، ليس فقط إلى توفير تدفق مستمر من الطلبات لشركات بناء السفن الأمريكية، بل أيضًا إلى مساعدتها على النمو وزيادة كفاءتها.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTU1IA== جزيرة ام اند امز