آثار التعريفات الجمركية.. لماذا تصعب إعادة الأمور إلى نصابها بعد إلغائها؟

أوضح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نيته بكسر قاعدة النظام الاقتصادي العالمي السائد، وفي غضون 100 يوم، أحرز تقدمًا ملحوظًا في تحقيق هذا الهدف.
حيث أشعل ترامب حربًا تجارية، وألغى معاهدات، وألمح إلى أن واشنطن قد لا تدافع عن أوروبا، كما أنه يُفكك البنية التحتية الحكومية التي وفرت المعرفة والخبرة.
وكانت التغييرات عميقة، والعالم لا يزال في حالة اضطراب، وقد تؤدي انتخابات التجديد النصفي التي ستُجرى بعد عامين إلى تآكل الأغلبية الجمهورية في الكونغرس بسبب سياسات الرئيس التابع للحزب نفسه.
ومن المقرر دستوريًا أن ينتهي عهد ترامب في غضون أربع سنوات، فهل يمكن للرئيس القادم أن يأتي ويتراجع عما فعلته إدارة ترامب؟
هذا السؤال يتطلع الاقتصاديون والمحللون حول العالم للإجابة عنه، ومعرفة ما سيحل باليوم التالي لنهاية الحرب التجارية، بعد ما تشهده الآن من تخفيف للسياسات من جانب ترامب، وكيف سيكون الوضع بالنسبة للآثار التي وقعت بالفعل على ما تم فرضه من رسوم جمركية.
وتقول صحيفة "نيويورك تايمز"، إن المؤرخين وعلماء السياسة يتفقون على أنه في بعض الجوانب الحاسمة، قد يكون من الصعب عكس مسار التغييرات التي أحدثها ترامب، مثل تآكل الثقة في الولايات المتحدة، وهو مورد استغرق بناؤه أجيالًا.
وقال إيان غولدين، أستاذ العولمة والتنمية في جامعة أكسفورد، "ستظل آثار سياسات ترامب وجي دي فانس موجودة لفترة طويلة بعد رحيل ترامب".
وبغض النظر عمن سيشغل البيت الأبيض بعد ذلك، فإن الظروف التي دفعت لاتساع فجوة التفاوت وانعدام الأمن الاقتصادي، لا تزال قائمة.
وقال إنه بالنسبة لبقية العالم، لا يزال هناك قلق من احتمال ظهور "ترامب آخر في المستقبل".
ونتيجة لذلك، يعمل الحلفاء على إبرام شراكات تجارية وبناء تحالفات أمنية تستبعد الولايات المتحدة، وقد أنشأ الاتحاد الأوروبي ودول أمريكا الجنوبية مؤخرًا واحدة من أكبر مناطق التجارة في العالم.
الدول تبدأ في اتباع إجراءات الاستقلال عن أمريكا
واقترح رئيس الوزراء الكندي، مارك كارني، مؤخرًا بناء شبكات نقل جديدة لتسهيل الوصول إلى الأسواق العالمية خارج الولايات المتحدة.
كما تتفاوض كندا للانضمام إلى الحشد العسكري الأوروبي لتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة، في حين تعمل بريطانيا والاتحاد الأوروبي على وضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية دفاعية.
وقال إيان غولدين: "العالم يتقدم للأمام، ستُعاد ترتيب سلاسل التوريد، وستُعقد شراكات جديدة، وسيجد الطلاب والباحثون والمواهب التقنية الأجنبية وجهات أخرى للهجرة". وأضاف، "لن تستعيد الولايات المتحدة مكانتها الاقتصادية بسرعة".
وتابع، "ليست الولايات المتحدة وحدها التي تغيرت كثيرًا الآن".
وازدراء ترامب للمؤسسات الدولية يؤدي فقط إلى تعزيز نفوذ الصين، في وقت ينشغل به بمحاولاته لاستخدام الضغط الاقتصادي.
وقال أورفيل شيل، مدير مركز العلاقات الأمريكية الصينية في جمعية آسيا بنيويورك، إن الإدارة الأمريكية تخلق "فرصًا هائلة لشي جين بينغ والصين".
ويسعى الزعيم الصيني ، شي، إلى استغلال تحوّل ترامب نحو الحمائية وسياساته الفوضوية لتعزيز مكانة بكين كمدافع عن التجارة الحرة والقائد الجديد لنظام التجارة العالمي.
وتجد حجة شي صدى خاصاً لدى العديد من الاقتصادات الناشئة في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا.
ويقول جوناثان كزين، الزميل في مركز الصين التابع لمؤسسة بروكينغز والمحلل الصيني الكبير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية، إن الصين تبدو "ثابتة ومستقرة، وتتمتع بموقف هادئ مقارنةً بالولايات المتحدة".
وتعتبر أفريقيا مثالا بارزا، فقد عطل ترامب عمل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، التي كانت تُقدم الغذاء والرعاية الصحية لأفقر دول العالم، ما دفعها لتسريح كافة عامليها بالخارج.
واقترحت إدارته خطة إعادة تنظيم وزارة الخارجية، لإلغاء جميع البعثات الدبلوماسية تقريباً في جميع أنحاء القارة.
وبالمقارنة، استثمرت الصين بالفعل بكثافة في أفريقيا كجزء من مبادرة الحزام والطريق، وسعيها للسيطرة على المزيد من المعادن الأساسية في القارة.
وقال جوناثان كزين، "إن ذلك يخلق فراغًا يسمح للصين بترسيخ هذا الوضع والسيطرة على حقوق التعدين".
كما أن عداء ترامب لحلفائه قد يُقوّض جهود الحكومة في السنوات الأخيرة لإبعاد التكنولوجيا المتقدمة عن أيدي الصين.
وقد كانت تلك العلاقات الوثيقة سابقًا حاسمة في إقناع هولندا واليابان بوقف صادرات معدات أشباه الموصلات المتقدمة إلى الصين.
وأضاف أنتوني هوبكنز، أستاذ التاريخ في جامعة كامبريدج، أن ترامب يتناسى الدور المهم الذي تلعبه الصين كمستثمر دولي ومشتري للديون الأمريكية.
وإذا تم تقييد وصول الصين إلى السوق الاستهلاكية الأمريكية بشكل كبير، فإن أمريكا تخاطر بإمكانية الإضرار بقدرة الصين على الاستثمار في سندات الخزانة الأمريكية، وإذا فعلت ذلك، فأنها تُلحق الضرر بنفسها".
وهناك منطقة أخرى عالقة بين الولايات المتحدة والصين وهي جنوب شرق آسيا.
ولكن مع تهديد ترامب، ثم تراجعه حتى أوائل يوليو/تموز، بفرض رسوم جمركية قد تكون مدمرة على الاقتصادات المعتمدة على التصدير في دول مثل فيتنام وبنغلاديش وإندونيسيا، حصلت الصين على فرصة لتعزيز العلاقات مع هذه البلدان.
تأثيرات السياسة التجارية تشمل تقويض التفوق
أيضا يهدد تقليص قدرات الحكومة الفيدرالية في مجال البحث وجمع البيانات بتقويض التفوق العلمي الأمريكي وقدرته التنافسية.
ووفقًا للمركز الوطني لإحصاءات العلوم والهندسة، تُمول الحكومة الفيدرالية ما يقرب من 40% من الأبحاث الأساسية طويلة الأجل التي تُشكل أساس الإنجازات التكنولوجية والعلمية للبلاد.
وتُقلص الإدارة مليارات الدولارات من المنح المُقدمة للجامعات والعلماء والباحثين، مما يُقوّض العمل في مجالات مثل المخاطر البيئية، ومكافحة الأمراض، وبرامج المناخ والطاقة النظيفة، ومعالجة الحاسوب، والزراعة، والدفاع، والذكاء الاصطناعي.
كما خفضت تمويل أعمال الأمن السيبراني التي تحمي شبكات الكهرباء وخطوط الأنابيب والاتصالات، وقد فُصل آلاف الخبراء المخضرمين والواعدين من وظائفهم بالفعل.
وتشعر المؤسسات بالقلق من هجرة الأدمغة، حيث يلجأ الباحثون الأمريكيون والأجانب إلى جهات أخرى بحثًا عن المنح والوظائف والحرية الأكاديمية.
كما لن يكون من السهل إعادة بناء شبكات الأفراد والمعلومات والمعرفة اللوجستية التي كانت موجودة في الوكالات التي تم حلها أو تفريغها بسرعة.
وقال أورفيل شيل من جمعية آسيا، "هذه ثورة مُكرسة لتدمير ليس فقط السياسات، بل المؤسسات أيضًا".
وتابع "حتى لو استعاد الديمقراطيون السلطة، فليس من الواضح ما إذا كان هناك هيكل ما لإحيائه، أو ما إذا كان سيتعين إعادة بنائه بشق الأنفس".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjM3IA== جزيرة ام اند امز