دماء جديدة في شريان «الترامبية» والسر في «المؤثرين»
بعيدا عن البرامج التقليدية، شق الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب طريقه للبيت الأبيض عبر حملة اعتمدت في جزء كبير منها على "المؤثرين".
ومن خلال مقاطع الفيديو القصيرة والميمات والبودكاست عبر منصات التواصل الاجتماعى المختلفة مثل "تيك توك" و"يوتيوب"، حصل ترامب على ملايين المشاهدات كجزء من استراتيجية ضخمة للتواصل المباشر مع قاعدة جماهيرية ضخمة من الشباب الأمريكيين أو "الجيل زد".
ورغم أن العديد من الاستراتيجيين السياسيين اعتبروا في وقت سابق أن الشباب من جيل زد الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما كتلة ليبرالية إلا أنهم تحولوا بشكل كبير لدعم ترامب ودعم تيار اليمين منذ عام 2020 وفقا لاستطلاعات الرأي.
وفي اليوم التالي للانتخابات، أشاد فريق ترامب على منصة "إكس" بمجموعة من الشباب لدورهم في إعادة كتابة دليل الحملة السياسية وتقديم حملة "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" لجيل جديد من الرجال عبر الإنترنت وذلك وفقا لما ذكرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
جاء الأداء المذهل لترامب بين هذه الفئة السكانية في الانتخابات تتويجًا لجهود استمرت لسنوات للوصول إلى الشباب من خلال المؤثرين ومضيفي البودكاست الذين يسيطرون على جمهور أكبر من العديد من نجوم هوليوود التقليديين بفضل منصات التواصل الاجتماعي مثل يوتيوب وتيك توك وانستغرام والتي يقضي ملايين الأمريكيين وقتهم عليها ويحصلون من خلالها على المعلومات.
كما قدم بعض المؤثرين الدعم لترامب خارج الإنترنت مثل فرقة "نيلك بويز"التي قادت جهدًا بقيمة 20 مليون دولار لتشجيع الناخبين، وركزت على استهداف الشباب في حفلات كرة القدم الجامعية وهي الاستراتيجية التي أتت بثمارها في يوم الانتخابات حيث قادت ترامب لأول فوز له بالتصويت الشعبي.
وقال أليكس بروزويتز، مستشار حملة ترامب الذي طور استراتيجية البودكاست الخاصة به "تمكن الناس من رؤيته على حقيقته وليس من خلال وصفه من قبل وسائل الإعلام السائدة.. كان هذا انتصارًا هائلاً لنا هذه المرة".
ونجح ترامب (78 عامًا) والذي يعد أكبر رئيس منتخب في تاريخ الولايات المتحدة في تحقيق ما أشاد به البعض باعتباره إعادة تنظيم سياسي جزئيًا من خلال تحركاته عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وقال جون ديلا فولبي، مدير استطلاعات الرأي في معهد هارفارد كينيدي للسياسة، إن هؤلاء الشباب، كانوا معزولين بشكل فريد أثناء وباء كوفيد19 ولجأوا إلى البودكاست والمؤثرين للتغلب على الشعور بالوحدة والتوتر.
وخلال ما أطلق عليه البعض "معركة الجنسين"، قدم ترامب أداء قويا عكس قدرته على استغلال القلق المتزايد بين الشباب بشأن وضعهم الاقتصادي والثقافي في مجتمع تتمتع فيه الشابات بمزيد من التعليم وفرص العمل أكثر من الأجيال السابقة.
جاءت أولى محاولات ترامب في عالم البودكاست في عام 2022، بعد 14 شهرًا من مغادرته واشنطن ووسط الانتقادات التي لاحقته بسبب هجوم الكابيتول والتي تسببت في نفيه بصورة كبيرة من قبل شبكات التلفزيون الكبرى كما تم حظره من معظم وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي ذلك الوقت كانت فرقة "نيلك بويز" الشهيرة على الإنترنت سعيدة بالترحيب بترامب الذي شارك في مقابلة معهم تم تسجيلها في منتجعه للغولف في مار إيه لاغو حيث أعرب عن أسفه لارتفاع أسعار النفط وادعى أن حرب أوكرانيا ما كانت لتندلع لو كان لا يزال في البيت الأبيض.
وقام "يوتيوب" بحذف الحلقة حيث كانت سياسة الموقع تحظر في ذلك الوقت مزاعم الاحتيال حول انتخابات 2020 لكن حذف الحلقة كان بمثابة إعلانا لترامب الذي ندد على الفور بمن أسماهم "مهووسي التكنولوجيا الكبار".
كان الظهور مجرد بداية لغزو ترامب لعالم المؤثرين الذكور، والذي تسارع مع اقتراب يوم الانتخابات.
وقال جون ماكنتي، أحد موظفي البيت الأبيض السابقين والذي اكتسب 3 ملايين متابع على تيك توك بفضل نكاته اليمينية إن تبني ترامب لوسائل الإعلام عبر الإنترنت ساعده في جذب جمهور ضخم من خلال "التحدث إلى الناس حيث هم".
وأضاف "من يهيمن على أحدث أدوات الاتصال يفوز عادةً" مشيرا إلى هيمنة ترامب على تويتر في 2016، وقبله الرئيس باراك أوباما الذي هيمن على فيسبوك في 2008 وهيمنة الرئيس جون كينيدي على التلفزيون، وفرانكلين روزفلت على الراديو.
واختار ترامب الظهور مع مؤثرين يفضلهم أو يقترحهم ابنه بارون (18 عامًا) مثل لاعب ألعاب الفيديو أدين روس، الذي أطلق بثا مباشرًا مع ترامب في مار إيه لاغو.
وسمحت هذه الاستراتيجية لترامب بالاستفادة من الرجال الذين لم يكونوا محافظين تقليديين حيث ظهر في منتصف أكتوبر/تشرين الأول في بودكاست يستضيفه المصارع مارك ويليام كالاواي، المعروف باسم"اندر تيكر" وهو ما جذب عشرات الملايين من الأشخاص.
وامتد استهداف الشباب إلى حملة ترامب والتي عملت على نشر رسائل مؤيدة له على حسابات وسائل التواصل الاجتماعي مع عشرات الملايين من المتابعين.
ومع دخول كامالا هاريس السباق، تسارع ظهور ترامب في البودكاست كما انتشر العديد من "الميمات" الساخرة عبر الإنترنت.
في المقابل، حاولت هاريس تبني النهح ذاته فظهرت في بودكاست له شعبيته بين الفتيات وآخر يقدمه لاعبان سابقان في الدوري الأمريكي لهما شعبيتهما بين الشباب غير البيض.
كما أنشأت حملة هاريس فريقًا صغيرًا من الموظفين لمواجهة ترامب على تيك توك وغيره من المنصات لكن ترامب تبنى العديد من الحيل لجذب الانتباه وخلق "الميمات" مثل البيع في ماكدونالدز أو قياد شاحنة قمامة.
وقبل 10 أيام من الانتخابات، ترك ترامب أنصاره في ميشيغان ينتظرون على مدرج الطائرات في البرد، وألقى باللوم في ذلك على تسجيل مقابلة مع روجان، أشهر مقدم بودكاست في العالم والتي ناقشت وجود الأجسام الطائرة المجهولة، وإنكار ترامب المستمر لنتائج انتخابات 2020 والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون.
وقال المؤثر اليساري حسين بيكر "إذا كان عمرك أكبر من 45 عامًا، فلديك رأي في ترامب، وهذا لا يتغير. ولكن هناك الكثير من الناخبين الشباب الذين يصوتون لأول مرة على الإطلاق، والبودكاست وسيلة فعالة جدًا للوصول إليهم".