اختُتمت زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، حفظه الله، إلى جمهورية أنغولا بعد يومين من اللقاءات الرسمية والحوارات الثنائية.
ورغم أن مثل هذه الزيارات قد تُقرأ في إطار البروتوكولات أو الاتفاقيات، فإن النهج الإماراتي يمنحها بُعداً آخر، حضور يبدأ من رصيد الثقة ويتأسس على صورة دولة عُرفت بالتزامها وصدق نواياها، قبل أن يظهر أثره في العقود والتفاهمات.
ففي منطقتنا، كثيرا ما تُختزل علاقات الدول بميزان الصفقات وحجم الاستثمارات، في المقابل، ترتكز التجربة الإماراتية على مسار مختلف، حضور يبدأ من رصيد الثقة ويُبنى على سمعة وطن وقيادة يُعتمد عليها، ليظهر أثره في الاتفاقيات والاستثمارات لاحقًا. فلسفة عملية تحكم اقتراب الإمارات من شراكاتها، سواء مع دول متقدمة الموارد أو محدودة الإمكانات.
ولا تُصنع الثقة فجأة، بل تتراكم عبر سنوات من وضوح المواقف والالتزام بالعهود، والإمارات بنت حضورها الخارجي من خلال سجل ممتد في العمل الإنساني والتنموي، وحرص على أن تكون شريكا يضيف إلى الاستقرار لا يزيد من التعقيد، هذا الرصيد جعلها موضع ترحيب دائم، لأن سمعتها الموثوقة تسبقها أينما ذهبت وتفتح أمامها الأبواب دون حاجة لخطاب مطوّل أو وعود مبالغ بها.
وفي عالم السياسة، الوعود كثيرة لكن التنفيذ قليل، من هنا تميزت الإمارات، فقيادتها عُرفت بأنها قادرة على تحويل التفاهمات إلى إنجازات، وأن ما يُعلَن في بياناتها يتحقق على أرض الواقع، هذه القدرة التنفيذية عزّزت مكانة الإمارات كشريك يُعتمد عليه، وجعلت الاتفاقات معها مختلفة عن غيرها، لأنها مرتبطة بمنهجية عمل منضبطة وموثوقة.
فالحضور الإماراتي يبدأ من منظومة قيم واضحة، والاحترام المتبادل، والنية الصادقة، ومراعاة مصالح الإنسان واستقرار الدول، كلها عناصر تجعل العلاقة مع الإمارات أوسع من كونها علاقة مصلحية ضيقة ولهذا، مهما اختلفت ظروف الدول وإمكاناتها، يبقى المعيار واحداً، شراكة تضع الثقة أولا، وتأتي الاستثمارات أو الاتفاقيات كترجمة عملية لهذه القاعدة.
هذا النهج يتجاوز الزيارات الرسمية أو التفاهمات الموسمية، ليتجسد في منظومة حضور متكاملة تشمل التعليم والتدريب والاستثمار والتنمية الاجتماعية، بحيث يلمس أثرها المواطن العادي قبل النخب، وبذلك يصبح الحضور الإماراتي شراكة واقعية تتجاوز الطابع البروتوكولي، وتكتسب شرعية محلية من خلال المدارس والمرافق الصحية والبنى التحتية، وتكمن قوة هذه المقاربة في أنها تقلل منسوب الشكوك، إذ يدرك الشركاء أن السياسة الإماراتية لا تخلط بين المصالح الضيقة والنوايا الحقيقية، بل تنطلق من التزام صادق يرسخ الاستقرار ويضمن استدامة الشراكات.
ميزة أخرى للمقاربة الإماراتية أنها لا تغيّر فلسفتها باختلاف الدول، سواء كانت الدولة ذات اقتصاد متقدم أو بإمكانات محدودة، يبقى الأساس واحدا، الثقة والالتزام، فالشريك الغني يحتاج إلى مَن يعزز كفاءته واستقراره، والشريك محدود الموارد يحتاج إلى مَن يمنحه الدعم والقدرة، وفي الحالتين، تنطلق الإمارات من نفس المنهج، حضور يُبنى على الثقة ويترجم إلى اتفاقات متوازنة.
وفي النهاية، تثبت التجربة أن رأس المال السياسي الحقيقي ليس حجم الصفقات، بل عمق الثقة، والإمارات جعلت من هذا الرصيد أصلا استراتيجيا يتقدم على أي اتفاقية، وركيزة تبني عليها حضورها الخارجي، وهكذا أصبحت شريكا تُقاس قيمته بما يتركه من أثر واستقرار، لا بما يُسجل من أرقام فقط.
وزيارة أنغولا الأخيرة تجسد هذا النهج بوضوح، فهي محطة أظهرت كيف يتحول الحضور الإماراتي إلى مسار تعاون ممتد يعكس الثقة والالتزام والنية الصادقة، ويتطور إلى اتفاقات مستدامة قادرة على الصمود أمام التحديات وترسيخ الاستقرار.
إنها فلسفة إماراتية خاصة، الثقة أولا ثم تأتي الاتفاقات كنتيجة طبيعية لمسار تُرسم ملامحه بالنوايا الصادقة والقيادة الموثوقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة