القيصر بوتين.. مالك مفاتيح الكرملين
"إذا كنت مضطرا لخوض شجار.. عليك أن تهاجم أولا" عبارة يراها فلاديمير بوتين خلاصة تجربته كمراهق في الشوارع، لكنها ترسم استراتيجيته رئيسا.
هذه العبارة طرحها بوتين على الإعلام في حديث تلفزيوني عام 2015، بعد عام واحد من ضم شبه جزيرة القرم من جانب واحد، مع بدء تحول كييف إلى الكتلة الغربية، أي أنها تفسر هذه المنطقة، وما تلاها من توتر وصولا للحرب في أوكرانيا، ومن ثم فوزه بالانتخابات الرئاسية وفق نتائج أولية.
فشخصية الرئيس الروسي الذي ترعرع في لينينغراد في حقبة الاتحاد السوفياتي، تميل إلى استباق الخطر، والتموضع خطوة قبل الخصوم على رقعة الاستراتيجية الدولية في عالم مضطرب.
وبحسب اللجنة الانتخابية الروسية، فقد حصل بوتين على 87,47% من الأصوات بعد عمليات فرز جزئية. وهي نسبة قياسية بعد حصوله على ما بين 64 و68% من الأصوات في الانتخابات السابقة.
وقالت رئيسة اللجنة الانتخابية ايلا بامفيلوفا: "روسيا قد اختارت"، معلنة نسبة مشاركة قياسية بلغت 74,22 في المئة.
رقم صعب
الرئيس الفائز بولاية جديدة تبقيه في السلطة حتى 2030، المعروف بـ"القيصر"، أثبت أنه رقم صعب في السياسة العالمية، وأهم زعيم روسي منذ الحقبة السوفياتية.
وولد بوتين في مدينة لينينغراد (بطرسبرغ حاليا) في 7 أكتوبر/تشرين الأول 1952، وفي عام 1975 تخرج في كلية الحقوق من جامعة المدينة نفسها، ثم بعد ذلك أدى خدمته العسكرية في جهاز المخابرات "كي جي بي"، حيث كان دائما ما يحلم بالعمل في الأجهزة الأمنية منذ دراسته.
وفي علامة على التحدي في شخصيته، داوم بوتين على دخول معارك مع فتيان أكبر منه حجماً، ما دفعه لممارسة رياضة الجودو حتى يستطيع هزيمة من هو أكبر وأقوى منه، وهو ما جعله يرغب في الانضمام إلى جهاز المخابرات السوفياتي "كي جي بي" حتى قبل أن يُنهي دراسته.
وفي الفترة من 1985 إلى 1990، عمل بوتين في شبكة المخابرات السوفياتية في درسدن بألمانيا الشرقية، ثم بعد ذلك عمل مساعدا لرئيس جامعة لينينغراد للشؤون الخارجية.
وأصبح بوتين -الذي يجيد اللغتين الألمانية والإنجليزية- مستشارا لرئيس مجلس مدينة سانت بطرسبرغ، وتولى منصب رئاسة لجنة الاتصالات الخارجية في بلدية سانت بطرسبرغ (لينينغراد سابقا) في يونيو/حزيران 1991، وفي الوقت نفسه تولى منصب النائب الأول لرئيس حكومة مدينة سانت بطرسبرغ عام 1994.
وفي أغسطس/آب 1996، أصبح نائبا لمدير الشؤون الإدارية في الرئاسة الروسية، ليتولى بعدها منصب نائب ديوان الرئيس الروسي ورئيس لإدارة الرقابة العامة في الديوان مارس/آذار 1997.
وفي شهر مايو/أيار من عام 1998، تولى منصب النائب الأول لمدير ديوان الرئيس الروسي، ثم تعيينه في يوليو/تموز 1998 مديرا لجهاز الأمن الفيدرالي الروسي وتولى في الوقت نفسه منصب أمين مجلس الأمن الروسي في مارس/آذار 1999، وبعد 5 أشهر وتحديدا في أغسطس/آب من نفس العام عين رئيسا للوزراء.
وفي ليلة رأس السنة عام 2000، أعلن الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين عن قراره بالاستقالة، وسلم الصلاحيات الرئاسية لرئيس الوزراء آنذاك بوتين، حتى الانتخابات الرئاسية في 26 مارس/آذار عام 2000، وهو العرض الذي رفضه بوتين في البداية، لكنه وافق بعد إلحاح يلتسين، حسبما كشف لاحقا.
بداية الصعود
تسليم يلتسين السلطة لبوتين، جاء بعد إعجابه بتكتم وفاعلية الأخير الذي يملك نظرة محيرة دفعت بعض المقربين من الرئيس المستقيل أنه سيكون من السهل عليهم التحكم به، لكن خاب ظنهم ونجح في إعادة بناء سلطة الدولة، واكتسب شعبية طاغية.
ففي الانتخابات الرئاسية عام 2000، فاز بوتين من الجولة الأولى وحصل على 52.94% من الأصوات، وتولى مهامه كرئيس في 7 مايو/أيار من نفس العام.
وحرصا منه على تصوير نفسه في موقع المسؤول الصلب المواقف، باشر المهمة في حرب الشيشان الثانية بعد موجة اعتداءات، فخاضت البلاد نزاعا داميا، حيث شكلت تلك الحرب ركيزة لشعبيته وأرست صورته كرجل شديد القبضة لا يخشى اتخاذ قرارات صعبة.
أعيد انتخابه للرئاسة في 14 مارس/آذار 2004، وهو ما منعه من المشاركة في انتخابات 2008 حيث يحظر الدستور الروسي -الذي تم تعديله لاحقا- بتولي الرئاسة لأكثر من ولايتين متتاليتين.
وأعلن بوتين عن تأييده لترشيح دميتري ميدفيديف لهذا المنصب، وبعد فوز الأخير، شغل بوتين منصب رئيس الحكومة في عهده بداية من 8 مايو/أيار 2008 حتى 8 مارس/آذار 2012.
تم بعد ذلك إجراء تعديلات على الدستور، وباتت فترة الولاية الرئاسية 6 سنوات، ليعاد انتخاب بوتين رئيسا في 2012، ويتكرر الأمر عام 2018.
وفي 2020، تم تعديل الدستور الروسي مرة أخرى، وحظيت التعديلات بتأييد ما يقرب من 58 مليون مواطن روسي، في حين عارضها حوالي 16 مليونا، ومنحت التعديلات الجديدة، الرئيس الحالي، فرصة المشاركة في الانتخابات التي جرت منتصف الشهر الجاري.
وطوال فترات رئاسته، واجه بوتين تحديات عدة أهمها المشكلات الاقتصادية التي ورثتها روسيا عن الاتحاد السوفياتي، لكنه خلال 3 فترات رئاسية وولاية واحدة كرئيس للوزراء، نجح في العبور بروسيا من عنق الزجاجة، وساعده على ذلك ارتفاع أسعار النفط والغاز، حيث تمتلك روسيا أكبر شركة عاملة في مجال الغاز الطبيعي في العالم.
السياسة الخارجية
وعمل بوتين الذي وصف تفكك الاتحاد السوفياتي بأنه "أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين"، على ترميم هيبة روسيا في العالم بعدما تدهورت مع سقوط الاتحاد السوفياتي وسنوات الفوضى في عهد يلتسين، وفق تقارير غربية.
ومن أجل هذه الغاية، يتبع نهجا قوامه الصراع الدؤوب والمتعنت والبحث عن مؤشرات الضعف لدى خصمه، وفق ما أوضح بنفسه عام 2013 ردا على روسي طلب منه بذل كل ما بوسعه من أجل "اللحاق (بأمريكا) وتخطيها".
إذ قدم بوتين نفسه على أنه الزعيم الذي سيرمم "روسيا العظمى" بضمه شبه جزيرة القرم، بعدما سيطرت عليها القوات الروسية، وقد نظم فيها استفتاء وافق على الضم، قبل أن يدخل في صراع عسكري مستمر منذ عامين في أوكرانيا.
aXA6IDMuMTUuMjAzLjI0NiA=
جزيرة ام اند امز