تميز الإعلامي الأمريكي تاكر كارلسون بالموضوعية أثناء الحرب الإعلامية المستمرة تجاه الرئيس السابق دونالد ترامب، ما تسبب في طرده من قناة "فوكس نيوز".
وتمكن كارلسون بعدها من فرض حالة إعلامية جديدة عبر برنامجه الخاص على وسائل التواصل الاجتماعي، أحدثها حواره مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لينطلق سيل الاتهامات بعمالته لروسيا، حيث نشرت شبكة "سي إن إن" تقريرا بعنوان: "تاكر كارلسون في روسيا لإجراء مقابلة مع بوتين.. هكذا ينفذ بالفعل أوامر الكرملين".
وأعادت المقابلة إلى الأذهان مهنية الصحافة والإعلام، وحق الشعوب في معرفة حقيقة الأزمات، وهو الدافع الرئيسي لكارلسون الذي أراد إطلاع الشعب الأمريكي على واقع الحرب الروسية الأوكرانية من وجهة نظر بوتين، ففي نهاية الأمر المواطن الأمريكي يدفع ثمن دعم بلاده لأوكرانيا، الأمر الذي دفع البيت الأبيض لرفض المقابلة، والقول إنها: "لم تكن ضرورية لكي يدرك الشعب الأمريكي وحشية الرئيس الروسي"، ما يفسر كيف يتعامل الإعلام التقليدي الغربي مع الأزمة، حيث سخرت كافة المنصات الإعلامية لدعم طرف مع تشويه صورة الطرف الآخر.
كما سلطت المقابلة الضوء على التحولات التي طرأت على المشهد الأمريكي، خصوصاً بعد فشل المخطط الغربي في عزل روسيا وإسقاط بوتين، فالحزب الجمهوري تحول من العداء إلى التعاطف مع موسكو، تحديداً مع تضاعف فرص عودة ترامب للبيت الأبيض، وانشقاق الكونغرس حول ملف المساعدات لأوكرانيا، حيث أظهرت المقابلة بوتين وكأنه المنتصر في الحرب، وبات الشعب الأمريكي يدرك ولو نسبياً أن حكومته خسرت الحرب، وهو ما أكده مسح أجرته "YouGov" كشف عن أن 26% من الأمريكيين لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه الرئيس الروسي.
تمكن بوتين خلال المقابلة من ترسيخ عدة مفاهيم من خلال منصة كارلسون الحديثة، والمتابعة من قبل الجمهور الغربي بشكل واسع، ولعل أبرزها الفارق بين نشأة روسيا في القرن التاسع وأوكرانيا التي تأسست أواخر القرن العشرين، وأن كلمة "أوكراني" تعني سكان أطراف الولاية، وحقيقة انتماء الروس والأوكرانيين إلى سلالة واحدة بحكم الجغرافيا، إلا أنهم وبمرور الوقت أصبحوا شعوباً مختلفة بسبب التحولات العالمية عبر التاريخ، واختتمها بفكرة جوهرية أراد توثيقها، وهي أن أوكرانيا دولة مصطنعة أنشأتها إرادة الاتحاد السوفياتي السياسية عام 1920 بقرار من جوزيف ستالين.
حققت المقابلة عدة مكتسبات بظهور حقائق مهمة من الرئيس الروسي مباشرة إلى الجمهور الغربي، استطاع من خلالها بوتين شرح التحديات التي تواجهها روسيا بسبب السياسات الغربية المنحازة ضد موسكو، بالإضافة إلى تقديم لمحة تاريخيّة حول البعد الإمبراطوري الروسي، والتي كانت أوكرانيا إلى سنوات ليست ببعيدة جزءا منه.
كما تجلت في المقابلة ملامح الإعلام الجديد الذي صار أمرا واقعا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يستطيع العمل بمرونة أكبر من الإعلام التقليدي، ما سيعطي دافعا للإعلاميين والصحفيين الغرب إلى استخدام وسائل مستحدثة خارج إطار الخط الغربي الذي يحتكر المشهد الإعلامي، فالشعوب تفضل الأساليب الحديثة بعيداً عن الصحف والمقابلات التلفزيونية التقليدية والتي يغلب عليها توجهات محددة، ما سيجعل مستقبل الإعلام في مواجهة لا نعرف من سينتصر بها، فإما استمرارية الإعلام التقليدي بتحفّظه وبطئه، أو بزوغ نجم الإعلام الجديد على طريقة تاكر كارلسون بشفافيته وسرعته وموضوعيته، والتي قد تنقل الصراعات السياسية الكبرى من الحروب الضبابية إلى الحروب المكشوفة.
خلق الإعلام الجديد من خلال منصات وسائل التواصل الاجتماعي مشهدا إعلاميا معقدا وسريعا ومتشابكا من حيث التحكم بالمعلومات، وبدون أدنى شك اخترقت مقابلة كارلسون مع بوتين الرواية الغربية التي روجت خلال العامين الماضيين بشأن الحرب الروسية الأوكرانية، فنجاح الحوار يحسب لكارلسون الذي أعد جيداً للمقابلة، وتوقع ردود الفعل السلبية قبل الإيجابية، بينما نجح بوتين في استغلال منصة تعتبر غربية ولو كانت حديثة، لشرح وجهة النظر الروسية من زاوية الأمن القومي الروسي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة