تونس تفكك ألغام الإخوان.. نحو دحر "إرهاب المؤسسات"
زرعوا ألغامهم لتسند معاولهم في الانقضاض على دوائر القرار لدرجة غدت معها المؤسسات الحكومية أوكارا تخدم أجندتهم ومصالحهم على حساب الشعب.
إنهم إخوان تونس، التنظيم الذي أطاح به الشعب بعد أكثر من عقد من الحكم الجائر والأداء الباهت، يواجه اليوم حصيلة فظائعه ضمن مسار إصلاحي يتطلع لبناء دولة بلا تطرف.
- مناورة "العمل والإنجاز".. إخوان تونس في رحلة البحث عن باب العودة
- شقيق بلعيد لـ"العين الإخبارية": معلومات جديدة تدين إخوان تونس بالاغتيالات
ومن بين القرارات المحورية التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد ضمن هذا المسار، تطهير المؤسسات الحكومية من براثن الإخوان، عبر أمر رئاسي صدر في 21 سبتمبر/أيلول الماضي، ودخل حيز التفعيل مؤخرا.
وبالآونة الأخيرة، شدد سعيد على ضرورة البدء بمراجعة كل الانتدابات التي تمت خلال العشرية السابقة، ضمن جهوده لتطهير مؤسسات الدولة من "الانتدابات العشوائية".
ويهدف قانون مراجعة التعيينات في المؤسسات الحكومية إلى مراجعة التعيينات التي تمت بناء على "الولاءات والشهادات المزيفة".
بداية
وقبل يومين، ترأس رئيس الحكومة أحمد الحشّاني اجتماع لجنة القيادة الخاصة بإجراء تدقيق شامل لعمليات الانتداب والإدماج بالوظائف الحكومية التي جرت من 14 يناير/كانون ثاني 2011 إلى 25 يوليو/تموز 2021، تاريخ القرارات الرئاسية التي أعطت شارة انطلاق مسار الإصلاح.
وتتكون لجنة قيادة عمليات التدقيق من رئيس الحكومة ورؤساء الهيئات الرقابية الحكومية وثلاثة قضاة، وتتولى بدورها تكليف لجان تدقيق تنهي أشغالها في أجل شهرين منذ مباشرتها لمهماتها.
وكانت أولى الوزارات التي انطلقت في عمليات التدقيق هي الداخلية التي تعد من أكثر الوزارات التي تم إغراقها بالمنتفعين مما يسمى بـ"العفو التشريعي العام" خلال العقد الماضي.
ومكّن مرسوم عرف بـ"العفو التشريعي العام" صدر في 19 فبراير/شباط 2011، حركة النهضة من انتداب نحو 7 آلاف موظف أغلبهم من الإخوان وأنصارهم في المؤسسات الحكومية، في تعيينات استهدفت تطبيق قاعدة نظرية "التمكين" التي تعد من أبرز القواعد المؤسسة في فكر الجماعات الإخوانية.
وقد أعلنت وزارة الداخلية التونسية في 23 سبتمبر/أيلول الماضي، عن إطلاق عملية تدقيق لكل الانتدابات والتعيينات في مختلف الأجهزة الأمنية.
وبين عامي 2012 و2013، قام الإخوان بتلغيم مختلف المؤسسات الحكومية بأنصارهم في محاولة لاحتكار دواليب الإدارة إضافة لزرع أنصارهم في وزارة الداخلية وظهور ما سُمّي بالأمن الموازي.
وسبق أن أعلنت النيابة التونسية في 2019، فتح تحقيق في معلومات تفيد بامتلاك حركة النهضة جهازا أمنيا سريا موازيا للدولة، واتهم هذا الجهاز بضلوعه في اغتيالات سياسية.
واعترف وزير الداخلية التونسي الأسبق لطفي بن جدو بأن حركة النهضة الإخوانية "تمتلك أجهزة تنصت تفوق قدرات الجيش والأمن في البلاد، وهي تجهيزات في شكل حقائب قادرة على التقاط 4 آلاف مكالمة في الوقت ذاته، وعادة ما تنقل على متن سيارات مغلقة".
وسبق أن أعلنت سلطات التحقيق التونسية، خلال الأعوام الماضية، طبيعة عمل الجهاز السري للإخوان، الذي يضم جهازا استخباراتيا داخل الدولة يتألف من 21 ألف عنصر تم دمجهم في المؤسسات الحكومية بمقتضى قانون العفو التشريعي العام، وعينوا في وظائف حساسة.
شهادات مزورة
وفي تعقيبه على الموضوع، يرى الخبير الاقتصادي والمالي التونسي عز الدين سعيدان، أنّ تلك الانتدابات العشوائية تكلف الدولة ما بين 3 و4 مليارات دينار سنويا أي ما يعادل نحو مليار دولار.
ويقول سعيدان، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "عدد التعيينات التي تمت استنادا للشهادات العلمية المدلسة والتي لم تحترم شروط التناظر يتراوح بين 100 ألف و200 ألف".
وأكد أن "تطهير الإدارة من هذه التعيينات العشوائية سيريح ميزانية الدولة من تلك الخسائر المالية".
وأوضح سعيدان أن "معلمين ومهندسين وأطباء يباشرون اليوم عملهم ويمارسون المهنة بشهادات مزورة"، مشددا على ضرورة إنقاذ المؤسسات الحكومية وإصلاحها ووضع حد للاقتراض والتداين من أجل خلاص الموظفين.
من جانبه، قال رئيس "الجمعية التونسية لمكافحة الفساد"، إبراهيم الميساوي، إن "الشهادات العلمية المدلسة تعد نحو 100 ألف من إجمالي قرابة الـ500 ألف وظيفة حكومية جديدة بعد 2011".
وأضاف الميساوي، في تصريح لـ"العين الإخبارية": "بالنسبة لملف الانتدابات وتدليس الشهادات العلمية التي تم كشفها إلى حد الآن، فإن وزارة التربية تتصدّر القائمة بنسبة 13%، تليها المالية بنسبة 11%. ثم الداخلية بـ5% والفلاحة 8%.
وأكد أن "تزوير الشهادات العلمية هو ملف فساد ثقيل ساهم في إفلاس الوظيفة العمومية وإغراقها بانتدابات الموظفين الذين كان عددهم حوالي 217 ألف موظف في القطاع العام قبل 2011 ليرتفع إلى 800 ألف موظف مما ساهم في عجز المؤسسات عن أداء مهاها وإفلاسها".
وأشار إلى أن "جميع الحكومات المتعاقبة أرادت وضع يدها على الإدارة (المؤسسات الحكومية) حتى توجه القرارات والإمكانيات خدمة لمصالحها".
ولفت الميساوي إلى أن "هذه الشبهات تشمل العديد من المؤسسات كوزارات التربية والصحة والداخلية وغيرها من الإدارات، وقد تم الحصول عليها اعتمادا على شهادات علمية غير صحيحة من تونس ودول أجنبية".
وفي تصريحات سابقة، أكد وزير الوظيفة العمومية التونسي الأسبق، عبيد البريكي، أن عدد الأشخاص الذين شملهم العفو التشريعي العام منذ 2011، بلغ نحو 7 آلاف شخص.
وأوضح البريكي حينها أن قيمة التعويضات التي تمتّع بها الّذين شملهم العفو التشريعي العام بلغت نحو 143 مليون دينار (نحو 50 مليون دولار) كان إلياس الفخفاخ وقع على وثيقتها عندما كان وزيرا للمالية، بالإضافة إلى تمتعهم بالترقيات.
كما أشار إلى أن الانتدابات الجديدة بالوظيفة الحكومية بعد 2011 كانت جلها لأعضاء أو أنصار حركة النهضة الإخوانية.
تعيينات إخوانية
شمل توظيف المتمتعين بـ"العفو التشريعي العام" أسماء من الوزن الثقيل، بينهم تسمية الإرهابي السابق طارق المعروفي، وهو من مؤسسي الجيل الأول للإرهابيين التونسيين في أوروبا، بمنصب بارز في شركة الكهرباء والغاز (حكومية)، كما تمت أيضا تسمية أشخاص ليسوا من المنتمين بل هم من رفاق الإخوان بالسجون.
وأشارت دراسة أنجزها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية، إلى أن نحو 6 آلاف و839 من المنتفعين بالعفو التشريعي العام تم انتدابهم عشوائياً في الوظيفة العمومية بعد عام 2012 من دون إجراء مناظرة.
وتعد وزارة التربية والتعليم من أكثر الوزارات التي تم استهدافها من قبل جماعة الإخوان والتي شهدت انتدابات عشوائية عن طريق تعيين أنصار التنظيم بعد تدليس شهادات علمية في مناصب معلمين وأساتذة، وذلك في سياق مخطط تدميري وإطلاق الرصاص على هذا الجيل الجديد الذي يتم تعليمه على أيدي أناس غير أكفاء.
وسبق أن أكد رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد (2015-2016)، في مذكراته التي صدرت بعنوان "الحبيب الصيد في حديث الذاكرة"، أن ملف العفو التشريعي سنة 2011 اتسم بنوع من الارتجالية".
وأضاف الصيد أن "القائمة تضمنت مختلف أصناف مساجين الرأي من السياسيين والحقوقيين بمن فيهم الإرهابيون الذين بلغ عددهم في الملف حوالي 1200 سجين بموجب أحكام قانون الإرهاب ومنهم من هو محكوم بالإعدام".
وأورد الحبيب الصيد في كتابه أن ما جلب انتباهه هو إدماج العديد من المساجين في الحق بالتمتع بالعفو بالرغم من التهم الخطيرة التي أدينوا بسببها ولا سيما جرائم القتل.
aXA6IDMuMTM3LjE2OS4xNCA= جزيرة ام اند امز