جامع الزيتونة بتونس.. منارة روحانية يطفئها كورونا
جامع الزيتونة المعمور يقع في المدينة العتيقة وسط العاصمة تونس، ويقصده التونسيون في شهر رمضان المعظم كل ليلة لأداء صلاة التراويح.
على غير عادتها، اختفت مظاهر الاحتفالات التقليدية بقدوم شهر رمضان المبارك في المدينة العتيقة بتونس، وسكن الصمت أزقتها التاريخية المحيطة بجامع الزيتونة المعمور.
"لقد فعلت جائحة كورونا فعلتها"، هكذا عبّر أحد تجار بيع الشاشية (الطربوش التونسي) لـ"العين الإخبارية"، مشيراً إلى أنَّ المدينة التاريخية سجلت آخر إغلاق لها في أربعينيات القرن الماضي عندما انتشرت الأنفلونزا الإسبانية.
أكبر الساحات الروحانية في البلاد وهو جامع الزيتونة المعمور، تأثر أيضاً بانتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19).
تأسس الجامع على يد حسان بن نعمان سنة 76 هجريا، واكتمل بناؤه في عهد عبيدالله بن الجباب في عام 116 هجرياً، وأعيد بناؤه في القرن التاسع الميلادي.
هذا الجامع الكبير بتاريخه والحامل لكل الدلالات الرمزية والروحانية في تونس يجد نفسه مغلقًا لأول مرة أمام زواره.
يقع الجامع في المدينة العتيقة وسط العاصمة تونس، ويقصده التونسيون في شهر رمضان المعظم كل ليلة لأداء صلاة التراويح فموقعه الاستراتيجي يتميز بعبق سحر الماضي والتاريخ.
إلا أن الجامع لن يستقبل أهل تونس في صلاة التراويح هذه السنة، بعد أن فرضت السلطات الحجر الصحي الشامل ومنع التجول ليلاً للوقاية من فيروس كورونا.
وأطلق على الجامع "الزيتونة" نسبة إلى شجرة زيتون كانت تتوسط أرضه، ويعد ثاني جامع بني في أفريقيا، وثاني أكبر جامع في تونس بعد جامع عقبة بن نافع.
إرث معماري وديني
يقول المؤرخ التونسي رضوان العيساوي وصاحب كتاب "تونس في عهد الفتوحات" الصادر سنة 2013 إن جامع الزيتونة شبيه بجامع قرطبة وجامع عقبة بن نافع (جامع بمحافظة القيروان وسط تونس) من حيث الطراز المعماري، إذ يحتوي على رواق محاط بصحن الجامع، ويرتكز على أعمدة ذات تيجان كما توجد بالجامع مزولة شمسية تعمل على تحديد أوقات الصلاة.
ويضيف: "الجامع الذي كان في البداية قلعة بيزنطية، لم يكن جامعاً للعبادة فقط وإنما كان أول جامعة إسلامية، إذ أنجب خيرة علماء تونس ومن أبرزهم علي بن زياد وأسد بن الفرات والإمام سحنون والمؤرخ عبدالرحمن بن خلدون".
ومثّل الجامع مرجعاً لأبرز علماء العصر الحديث من مصلحين وأدباء، منهم المصلح عبدالعزيز الثعالبي، وشاعر تونس أبو القاسم الشابي والطاهر حداد علم من أعلام الدفاع عن حقوق المرأة.
ومنذ تأسيسه كمركز للتدريس، كان للجامع دور مهم أضاف الكثير إلى التاريخ العربي الإسلامي وفي نشر الثقافة العربية الإسلامية في بلاد المغرب.
وفي عهد الاستعمار الفرنسي على تونس (1881- 1956)، كان لجامع الزيتونة دور كبير في تعزيز الروح الوطنية لمحاربة الغزو الاستعماري حيث كان انطلاقة للعديد من المسيرات المنددة بالعدو الغاشم.
قبلة سياحية
يقول المرشد السياحي التونسي قيس التاجوري إن قرابة 10 آلاف سائح من مختلف الجنسيات كانوا يزورون جامع الزيتونة خلال شهر رمضان.
ويضيف: "هذه السنة، لن تعرف المدينة العتيقة المحيطة بالمعلم الديني حركتها العادية، ولن يأتي زوارها كما دأبوا كل سنة لاقتناء الملابس التقليدية التونسية وخاصة الجبة والبرنوس.