إخوان تونس و«مقاطعة الانتخابات».. تشويه للإصلاح أم فرار من قدر محتوم؟
رغم لفظه رسميًا وشعبيًا، إلا أن مساعي تنظيم الإخوان في تونس للعودة مجددًا، لم تهدأ لحظة، محاولا العزف على وتر الأزمات، سبيلا لإيجاد موطئ قدم له.
ومع فشل تلك المساعي، لجأ تنظيم الإخوان عبر أذرعه السياسية، إلى الدخول لدهاليز السياسة مجددًا، عبر الدعوة إلى مقاطعة الاستحقاقات الدستورية، أو التشكيك في نزاهتها؛ أملا في أن يجد تأييدًا من الشارع، يعيد إليه بعضًا من آماله التي اندثرت، بفعل قرارات يوليو/تموز الاستثنائية.
آخر تلك المحاولات، دعوة جبهة الخلاص الإخوانية، لمقاطعة انتخابات مجلس الجهات والأقاليم التي من المنتظر تنظيمها في 24 ديسمبر/كانون الأول القادم، زاعمة أن ذلك الاستحقاق الدستوري، يأتي «في وقت تحاصر فيه حرية التعبير في البلاد وتفقد فيه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات صفتها المستقلة».
ليست الأولى
تلك الدعوة لمقاطعة الانتخابات ليست الأولى؛ فسبق وأن دعت جبهة الخلاص الإخوانية لمقاطعة الانتخابات البرلمانية التي جرت في 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي والاستفتاء الذي أجري على دستور البلاد في 25 يوليو/تموز 2022، عقب القرارات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد، قبل ذلك الاستفتاء بعام.
ورغم أنها تلك الدعوة ليست جديدة، إلا أن لها أهميتها الخاصة؛ فهذه الانتخابات تعد المرحلة الأخيرة في مسار 25 يوليو/تموز، الذي بدأه الرئيس قيس سعيد في صيف 2021، لاستعادة مؤسسات الدولة من تنظيم الإخوان.
وستجرى تلك الانتخابات، للمرة الأولى في 2155 دائرة انتخابية، مقارنة بالانتخابات البلدية التي جرت في 350 دائرة عام 2018.
ويرى مراقبون، أن تنظيم الإخوان في تونس يسعى إلى تشويه هذا الاستحقاق الانتخابي، وإفشاله من أجل تصفية حسابات سياسية.
وسبق أن حذّر الرئيس التونسي قيس سعيد القيادات الإخوانية من التسلل مجدداً إلى المشهد السياسي في البلاد.
ما الأسباب؟
وإلى ذلك، قال المحلل السياسي التونسي عبد الرزاق الرايس، إن تلك الدعوة ليست الأولى من نوعها التي يحاول فيها هذا التنظيم الذي أزيح من الحكم في 25 يوليو/تموز 2021، تشويه مسار قيس سعيد الإصلاحي.
وأوضح المحلل السياسي، أن الإخوان حاولوا سابقا تعطيل إجراء الانتخابات البرلمانية الماضية، عبر تحركات احتجاجية، ومخططات لإرباك المشهد السياسي، ونشر الفوضى في البلاد.
وأشار إلى أن جبهة الخلاص ربطت قضية اعتقالات عناصر الإخوان المتورطين في قضايا إرهابية، بحرية التعبير؛ في محاولة لإثارة تعاطف التونسيين، وفي مشهد ليس بغريب على التنظيم الذي اعتاد تقمص أدوار المظلومية.
وبحسب المحلل السياسي التونسي، فإن انتخابات مجلس الجهات والأقاليم هي «النهاية الحقيقية لحركة النهضة الإخوانية»، مشيرًا إلى أنها «ستقضي تماما على سيطرتها داخل البلديات، والتي مكنتها في السابق من تمرير مشاريعها الإجرامية والتخريبية».
وأشار إلى أن «جبهة الخلاص تحرض الشعب التونسي على مقاطعة الانتخابات بالدعوة لعدم المشاركة فيها، وبالتظاهر؛ لأنها لا تستطيع العيش سوى في المناخات المتعفنة»، محذرًا من أن «مشاريعها الإجرامية لن تؤدي سوى إلى مزيد تقزيمها».
خط النهاية للإخوان
وتابع: «هذه الانتخابات ستكون خطوة جيدة في إصلاح واقع البلاد؛ فليس هدفها تقسيم الشعب مثلما يتم الترويج إليه من قبل جماعة الإخوان، بل إعادة الأمل للمناطق والجهات التي كانت منسية ومهمشة»، مشيرًا إلى أن «تلك الانتخابات هي فرصة لطرح القضايا الجوهرية في الجهات على غرار التشغيل والتنمية والصحة والتعليم والنظافة والبيئة».
وأوضح أن «انتخابات مجلس الجهات والأقاليم سيتكفل بتحديد الحاجيات التنموية بعد أن كانت الدولة تلعب ذلك الدور في السابق»، مؤكدًا أن «مجلس الجهات سيعاضد وظيفة البرلمان، ويفعّل مبدأ اللامركزية، ويساعد في تحقيق التنمية الجهوية المعطلة».
ويقوم النظام النيابي الحالي في تونس على غرفتين نيابيتين، عوضا عن غرفة واحدة قبل حل البرلمان السابق.
ويفترض الدستور التونسي المصادق عليه في 25 يوليو/تموز 2022 أن توافق الغرفتان على عدد من مشاريع القوانين، بينها قانون المالية، وكل مخططات التنمية المحلية والجهوية.
ويتكوّن هذا المجلس، وفق ما جاء في الفصل 82 من مشروع الدستور الجديد، من «نواب منتخبين عن الجهات والأقاليم؛ إذ يَنتخب أعضاء كل مجلس جهوي، ثلاثة أعضاء من بينهم، لتمثيل جهتهم في المجلس الوطني للجهات والأقاليم، وينتخب الأعضاء المنتخبون في المجالس الجهوية في كل إقليم، نائباً واحداً من بينهم يمثل هذا الإقليم في المجلس الوطني للجهات والأقاليم، ويتم تعويض النائب الممثل للإقليم طبقاً لما يضبطه القانون الانتخابي».