شعار الإخوان "علانية الدعوة وسريّة التنظيم"، ما يؤكد أنّ التنظيم هو المعادلة الأهم عند جماعة الإخوان المسلمين، وأنه مقدم بأيديولوجيته على ممارسة الدعوة، التي يعتقدون أنها مجرد جسر من أجل فرض هذه الأيديولوجيا على المجتمعات التي يعيشون فيها.
وهنا يبحر التنظيم في الدعوة أو يدعو إلى الأيديولوجيا المعادل التقريبي للتنظيم؛ فما الدعوة إلا صورة أخرى من التنظيم الذي أعلن أن استراتيجيته ستتضمن الدعوة في كل مكان وزمان، ما يعني أن الدعوة التي يرفعونها ليست دينية، لكنها دعوة إلى التنظيم!
وهنا نفرق بين مفهومين للدعوة عند الإخوان: الدعوة إلى تعاليم الإسلام الغائبة، والدعوة إلى أفكار التنظيم الحاضرة؛ صحيح أنّ جماعة الإخوان ترفع شعار «علانية الدعوة» لكنها تقصد الدعوة إلى التنظيم الذي تفرض على شؤونه نوعاً من السريّة، وهذا ما يُفسر شعارها الزائف والمخادع.
ارتكبت جماعة الإخوان المسلمين عدداً من الجرائم تحت شعار سريّة التنظيم؛ بعضها ضد أتباعها الذين أوهمتهم بشيء بينما الواقع شيء آخر، وضد المجتمع الذي فهم التنظيم بصورة بينما أخفت هي صورته الحقيقية. وبقليل من التسويق لأفكارهم، نجح التنظيم في التوغل داخل بعض المجتمعات، والتوغل هنا ليس مرتبطاً بقوة الأفكار، لكن بقدرة التنظيم على تسويقها.
الإخوان يُعطون لأنفسهم الحق في التعليق على كل شيء وانتقاد كل شيء أيضاً، بينما يفرضون نوعاً من السريّة على التنظيم، ويتعرض كل من يُحاول انتقاد التنظيم من داخله أو خارجه إلى قدر كبير من التنكيل والاغتيال المعنوي.
ومنطق جماعة الإخوان في ذلك أنها تنظيم شبه عسكري، وبالتالي لا يحق لــ"جنود الدعوة" أو بالأحرى "جنود التنظيم" الاعتراض أو النقاش أو التمرد، وهنا تجد مبرراً للتنظيم وتفرض عليه نوعاً من الحماية، مما حافظ على التنظيم نحو خمسة وتسعين عاماً، وصنع حرّاساً للمعبد هم المسيطرون على التنظيم منذ نشأته.
الإخوان جماعة سرّية بما تفرضه قوانينها ولوائحها ونظامها الأساسي، وبما ترفعه من شعارات وبما تطبقه من قواعد أيضًا، ولا أمل في أن تتحول إلى جماعة علانية أو أن تخرج للنور بأي صورة، مما يُعد أحد أسباب فشلها عندما وصلت للسلطة بمصر في عام 2012؛ فرغم أنها كانت في السلطة فإنها كانت تتعامل كجماعة سريّة في مجتمع علاني.
أسس حسن البنا تنظيم الإخوان وهيأ ميكانيزماته، بحيث يكون قادرًا على الحياة تحت الماء أو في الغرف المغلقة والأنفاق، كما نزع منه القدرة على أن يعيش في العلن مثل كل التنظيمات الدعوية أو السياسية.
كان هدف المؤسس الأول للتنظيم هو أن تعيش الجماعة وقتًا أطول من غيرها؛ فقد يُوفر الظلام كما فهمه حسن البنا فرصة حياة أكبر للبقاء، كما أن الأفكار التي يدعو لها وهي مرتبطة بالأيديولوجيا أكثر منها بالدعوة، وبالتالي هو يُريد أن يفرضها على النّاس لكن في هدوء، فالهدف هو انتشار الأفكار، وهنا قد لجأ إلى السرّية التي اعتقد أنها سوف تحافظ على بقاء التنظيم فترة أطول.
هناك عدة دوائر من السرّية الخاصة بالتنظيم؛ هناك سرّية يفرضها التنظيم على أعماله وفعالياته ويحجبها عن الأتباع وما يُطلق عليهم "الصف"، في إشارة إلى أنّ التنظيم صف واحد؛ هذه السرّية هدفها أن يبقى كل عضو في الجماعة في مستواه التربوي وعطائه التنظيمي ولا يحدث خلط أو تراجع في مدى تأييد الأتباع للتنظيم.
وهناك مستوى آخر من السرّية مرتبط بأنّ الجماعة ترفض إعطاء أجوبة لأسئلة مطروحة ترتبط بسلوكها أو خياراتها أو عدم وجود مناخ حرّية رغم ادعائها أو تسويقها لذلك؛ والرد دائمًا على هذه الأسئلة بأنها تقوم باغتيال المجموعات التي تذهب إلى هذا المنحى بهدف حماية التنظيم وسلوكها بطبيعة الحال.
وهناك مستوى آخر، وهو انتقاد التنظيم من خارج التنظيم؛ حيث تعتمد الجماعة سياسة التجهيل والصمت من أجل القضاء على تأثير أي انتقاد، وعندما ترد بقولها: شأنٌ خاص، فهي تعتبر ما يدور داخل التنظيم الذي تدعي علانيته أنه غير قابل للنقاش أو التعليق عليه ممن هم خارج التنظيم، وهذا دليل على فساد الفكرة.
فلا يحق لمن هم خارج التنظيم التعليق على ما يدور داخله، كما لا يحق لمن هم داخل التنظيم مناقشة قضايا تتعلق باستراتيجيته، وهنا يُرفع سلاح الاغتيال المعنوي، ذلك السلاح الخفي صاحب الأثر الظاهر.
الإخوان جماعة براغماتية تتنفس الكذب؛ تدعي أنها علانية وتواجه كل من يصفها بالسريّة، وفي نفس الوقت ترفض الإفصاح عن أعداد أتباعها أو خطتها للعمل أو أسماء أعضائها، فهي تعتبر نوع هذه الأسئلة من المحرمات، بينما تُعطي لنفسها الحق في التعليق على أي شيء وكل شيء.
من طقوس الحركة أنّ أعضاءها في حال المبايعة يُقسمون على المصحف في غرفة مظلمة؛ وفي الحالات الاستثنائية يكون القسم أمام شخص ملثم، في إشارة إلى شخصية مرشد الجماعة، لكنه غير معروف لمن يُقسم له، ويُوضع أمامه المصحف والمسدس، كإشارة إلى أنّ القسم سيكون على السمع والطاعة في المكره والمنشط وعلى استخدام القوة أيضًا، وهنا عدة دلالات.
الإخوان جماعة لها وجهان؛ أحدهما معلن والآخر سرّي، الجزء المعلن منه يمثله بعض دعاتها أو القادة الذين يظهرون في الإعلام، بينما نشاطها السرّي وهو الأهم في المعادلة، يمثله القادة الحقيقيون للتنظيم أو صقور التنظيم، وهؤلاء نافذون، وتميل كفة التنظيم لهم دائمًا، ولهم السطوة الأهم والأكبر والأبرز، وإليهم ينتمي مكتب إرشاد الجماعة ومجلس شوراها، فضلًا عن جميع مؤسسات التنظيم النافذة.
الرهان على أن تُغير الجماعة جلدها أو تُصبح جماعة علانية هو رهان خاسر وغير منطقي وتحقيقه مستحيل؛ فالجماعة التي قضت مائة عام من عمرها مغرقة في السريّة لا يمكن أن تتحول إلى العلانية، وليس لديها استعداد ولا إرادة إلى هذه الفكرة.
وهذا خطأ وقعت فيه بعض الأنظمة السياسية وأجهزة الأمن في بعض الدول التي اعتقدت أنها سوف تصنع من الجماعة حركة اجتماعية أو سياسية وأنها سوف تنجح في تحويلها من جماعة سرّية إلى علانية؛ هذه المحاولات ستبوء بالفشل وستدفع هذه الدول ضريبة هذه الثقة في هذا الخيار؛ فهناك فرق بين الأمنيات والواقع، فالأولى لا يمكن تحقيقها إلا بتغيير الثانية، وهو أمر يبدو من رابع المستحيلات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة