لا يكاد يمر يوم لا يسجل فيه الرئيس قيس سعيد موفقا أو يتخذ فيه قرارا لا يلقى رضا لدى حركة النهضة.
التوجهات الجدية للرئيس التونسي قيس سعيد في الآونة الأخيرة للدفع بفتح العديد من الملفات التي تتعلق بالفساد، والتي بقيت لسنوات دون حلّ، أفرزت للعلن قضايا الاغتيالات السياسية، والتي نجحت سنوات التوافق بين النهضة ونداء تونس في إغراقها بالأمور الإجرائية في أروقة القضاء دون أن نعرف الحقيقة، مما أدى إلى حدوث خلافات بين الرئيس سعيد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، والتي بدأت على ما يبدو تأخذ مسارا تصاعديا ومنحى شخصيا ينطلق من اختلاف جذري بين الطرفين في مقاربة العمل السياسي، حيث اعتادت حركة النهضة منذ عودتها لممارسة النشاط السياسي في العام 2011 على إبرام الصفقات والتوافقات مع قوى سياسية معارضة؛ وذلك من أجل تقاسم السلطة مما يعني محافظتها على مكاسب هامة ضمن المصالح المشتركة للطبقة الحاكمة.
حاليا لا يكاد يمر يوم لا يسجل فيه الرئيس قيس سعيد موفقا أو يتخذ فيه قرارا لا يلقى رضا لدى حركة النهضة، والذي يعتمد من وجهة نظره على صرامة تطبيق القانون، ورفض أنصاف الحلول والتوافقات الرخوة، والتي تعيش تونس اليوم نتائجها الكارثية في عدة مجالات منها: الاقتصاد، وطبيعة النظام السياسي الهش، الذي كان آخرها تكليفه لوزير الداخلية هشام المشيشي، بتكوين الحكومة الجديدة متجاهلا المقترحات التي تقدمت بها الأحزاب السياسية خاصة مرشحي النهضة.
من المعروف أن الرئيس الذي لم يأت بخلفيّة إسلاموية أو إخوانية، ولكن أتى بتأييد إخواني بدعوى إصلاح الديمقراطية، لكنه اكتشف سريعاً أن مشكلة فقدان الديمقراطية في تونس هي من الإخوان أنفسهم الذين أشبعوه بالكلام المعسول داخل تونس وخارجها، ثم بدأوا الانقلاب عليه اليوم عندما رفض أن يكون "حمّال أسيّة" لديهم، وهو ما قد يوحي بأن حركة النهضة تهيمن على المشهد في تونس، والرئيس سعيد يريد أن يضع حداً لهذا الأمر.
يبدو أن مشكلة الرئيس والشعب التونسي عموما مع حركة النهضة في الفساد الذي أضعف مؤسسات الدولة، وفي فكرها ومشروعها القمعي وتمجيدها لدعاة التطرف والإرهاب، ورغبتها في إرجاع تونس إلى الحقبة المظلمة في تاريخ تونس، فقد كان من الممكن أن ينجح المشهد السياسي في تونس.. لولا العمالة والولاء الإخواني للخارج وتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة.
ما الرفض الشعبي الذي ظهر في البرلمان لبقاء راشد الغنوشي على رأس البرلمان، إلا دليل على فقدان شعبيته والرغبة الشعبية في إسقاط التنظيم الإخواني بكل رموزه ومرتكزاته، وهو سقوط مدو للغنوشي وحزبه، وأن الأمور استوت واتضحت وأدركت الخطر الإخواني، وهو ما يدعو إلى تأسيس وبلورة رؤية شاملة تطيح بكل المشروع الإخواني في تونس، لا سيما الرفض الشعبي إلى جانب المؤسسات الدستورية وخصوصًا الرئيس، علما أن الوقت مناسب والظروف متاحة أيضا لوضع النقاط على الحروف كما أعتقد وأتوقع؛ ليصبح الغنوشي وحزبه في مهب الريح سياسيا وشعبيا، حيث لن يسمح الشعب التونسي بإسقاط البلاد.
الوضع في تونس أشبه ببركان قد تتطاير حِممه في أي لحظة تخرج من المشهد وتخوض مخاضا عسيرًا كغيرها، لا سيما بعد موجة الوعي العربية المتزايدة من الخطر الإخواني، فالشعب التونسي لم يعد يثق في الطبقة السياسية وضاق ذرعا من الغنوشي وحزب "النهضة" وكل خطاباته البائسة والمكررة، وذلك لانشغاله عن هموم تونس المدنية، وتمكين أردوغان والانضمام تحت لوائه، والتبشير بتنظيم الإخوان كأنموذج أصيل للإدارة الأيديولوجية المتنكرة للهم الوطني.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة