تونس الخضراء.. أراضي "مطمور روما" تحت مقصلة أخطر أزمة مائية
تعاني تونس الخضراء، الملقبة تاريخيا بـ"مطمور روما"، من أخطر أزمة مائية في تاريخها على الإطلاق، ما يهدد أمنها الغذائي والمائي.
يمكن ملاحظة ملامح الأزمة التي تواجهها تونس ذلك عبر تدني معدل استهلاك الفرد من المياه إلى أقل من 400 متر مكعب سنويا وهو قرابة نصف المعدل الاعتيادي عالميا، حيث تحدد منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) معدل استهلاك الفرد لضمان العيش الكريم والاحتياجات الحياتية ما بين 700 و900 متر مكعب سنويا.
ومشكلة تونس في إدارة مواردها المائية تبدو معقدة وذات أسباب بعيدة تعود إلى عقود. حيث يؤكد الخبراء أن هذه الأزمة ليست بالأمر المستجد ولكن آثارها باتت مضاعفة بسبب آثار الاحتباس الحراري.
وعرفت تونس تاريخيا بلقب "مطمور روما" على خلفية أراضيها الخصبة وإنتاجها الزراعي الوفير. لكن تلك الصورة أصبحت من الماضي في ظل أزمة المياه في هذا البلد، ما بات يهدد أمنه الغذائي والمائي.
تونس الخضراء.. ما الذي تواجهه؟
وتوقع خبراء تونسيون بأن موجات الحرّ والجفاف التي شهدتها البلاد على مدار الأشهر الماضية ستؤثر على محاصيل الحبوب والأعلاف والزيتون، ما يهدد الأمن الغذائي وينعكس سلبا على الاقتصاد التونسي.
وقد تراجع موسم الزيتون بنسبة 20% مقارنة بالموسم الماضي، بسبب قلة التساقطات المطرية والتغيّرات المناخية، بشكل لم تعرفه البلاد منذ عقود.
وأدّت ندرة التساقطات وتوقف هطول الأمطار إلى تراجع احتياطات المياه في السدود والبحيرات، وهو ما دفع السلطات إلى فرض قيود على استهلاك الماء لمواجهة هذه الأزمة، حيث قرّرت منع استخدامه لأغراض زراعية وتقليص الأوقات المخصّصة للشرب.
وأدخلت وزارة الزراعة في البلاد نظام حصص لمياه الشرب في مارس/ آذار الماضي وحظرت استخدامها في الزراعة حتى 30 سبتمبر/ أيلول، مع استمرار الجفاف الذي دخل عامه الرابع الآن.
وحظرت الوزارة استخدام المياه الصالحة للشرب في غسيل السيارات وري المساحات الخضراء وتنظيف الشوارع والأماكن العامة. ويواجه المخالفون خطر الغرامة والسجن لمدد تتراوح بين ستة أيام وستة أشهر.
وتسجل نسبة امتلاء السدود الآن أقل من 30 بالمئة، كما أظهرت الأرقام الرسمية أن مخزون سد سيدي سالم في شمال البلاد، وهو مزود رئيسي لمياه الشرب للعاصمة ولعدة مناطق في البلاد، انخفض إلى16 % فقط، من سعته القصوى البالغة 580 مليون متر مكعب.
وتوقع المسؤول في اتحاد الزراعة التونسي محمد رجايبية، بأن موسم الحبوب القادم سيكون كارثيا، بتراجع نحو 75% في المحصول بسبب الجفاف الذي أكل الحقول والمساحات الكبرى.
وأكد في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن السوق الاستهلاكية التونسية تستهلك نحو ثلاثين مليون قنطار من القمح والشعير سنويا وتستورد في غالب الأحيان 60 إلى 70% من حاجتها من الأسواق الخارجية خصوصا أوكرانيا وروسيا.
وأكد أن التراجع الكبير المتوقع لمحصول الحبوب في تونس من شأنه أن يعمق مصاعب المالية العامة.
كما توقع رجايبية أن يتم حصاد ما بين 200 ألف و250 ألف طن هذا الموسم، مقابل 750 ألف طن في العام الماضي.
وكشف رجايبية عن تأثر أهم المناطق المنتجة للحبوب في تونس، وهي محافظات باجة وجندوبة وبنزرت شمالي البلاد، والمنطقة السقوية بالقيروان (وسط).
ويذكر أن حصيلة حبوب هذا الموسم ستكفي بالكاد لتأمين بذور للموسم الفلاحي 2023-2024، حيث تحتاج مليوني قنطار من البذور للموسم المقبل.
ويذكر أن نحو 95 في المائة من الزراعات الكبرى في تونس تعتمد على تساقطات الأمطار.
موسم الزيتون
من جهة أخرى، توقع نعيم السعيدي الخبير في السياسات الزراعية أن يتسبب الجفاف والتغيرات المناخية في انخفاض المنتوج الوطني من الزيتون.
وأكد في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أنه وقع الاستغناء عن الري التكميلي خلال السنوات الفارطة وهو ما ساهم بدوره في انخفاض الإنتاج بـ15 و20 بالمائة في الموسم الماضي وهو ما يقدر بـ500 مليون دينار من العملة الصعبة.
وأشار إلى أن 40% من الأراضي في تونس تنتج الزيتون إلا أن جميع المؤشرات تثبت أن محاصيل الموسم القادم ستكون ضعيفة جدا.
ودعا إلى بعث خلية يقظة ومتابعة لإنقاذ ما يمكن انقاذه من الموسم الفلاحي مع إعلان حالة الطوارئ المائية.
aXA6IDE4LjExNy4xMDUuNDAg جزيرة ام اند امز