"الإخونجية" في تونس هم من يديرون الحكومة، ولم يكونوا من القوة لتنفيذ مخططاتهم لولا الدعم المالي القطري
على العكس مما يتم الترويج له بأن التجربة الديمقراطية في تونس نجحت بفضل "ثورة 2011" خاصة في الدول الغربية، وبدعم مالي من القطريين ولوجستي من الحكومة التركية.
فإن عامة الشعب في تونس يعيشون حالة من الإحباط وفقدان الأمل، بسبب العجز الاقتصادي، وهبوط العملة وتراجع الوعي بسبب فشل النظام التعليمي والإعلامي.
تونس في حاجة إلى قوى سياسية جديدة، والوعي القائم على قلة الوعي لدى الرأي العام لديه قابلية الآن لدخول قوى استعمارية جديدة للبلاد مقابل توفير لقمة العيش، وعلى الأقل عودة البلاد لما كانت عليه قبل الثورة
تعيش تونس مأزق إدارة الحكومة منذ عدّة أشهر، على الرغم أن الأزمة الحقيقية للبلاد هي إدارة الدولة، وإعادة تنظيم المؤسسات السيادية، وتوفير الأمن للشعب، وفتح آفاق اقتصادية في الداخل والخارج من أجل تحريك عجلة الاقتصاد التي ثقلت، ويصعب الآن حتى وضع آلية لتحريكها.
من حين لآخر تأخذني الغيرة على وطني، وأشعر بأرق تجاه شعبي الذي سلب كل شيء، ويعتقد أنه نجح في "ثورته" وأنه يعيش في ديمقراطية وحرية فريدة من نوعها في العالم العربي.
لن أتعرض للحكومة الحالية في تونس بأي انتقادات، لأن الساسة في بلادي لم يقصروا في تعرية بعضهم ومهاجمة كل من يخالف الآخر في الرّأي، ومنذ قرابة العام دخلت الحكومة في دوامة، وكل قيادي فيها همه فقط التمسك بمنصبه.
ونسي أعضاء الحكومة أن الشعب الذي انتخبهم له وجود، وأنه يعاني، كما تجاهلوا أن لهم بلاداً أساسا اسمها تونس، كل ما يتذكروه هو أنهم يديرون "حكومة" وليس بلداً.
المشكلة الحقيقية في تونس الآن هو عدم وضوح الرؤية تماماً، وفي كل القطاعات دون استثناء.
وإذا سألت أي تونسي مواطن عادي أو متنور عمن يدير البلاد حاليا؟ سيدخل في محاضرة وكلام كثير يوصله الى جواب واحد يخجل قوله: لا أعلم.
وعند سؤال الخبراء والمتابعين للشأن التونسي توصلنا إلى نتيجة شبه متفق عليها، وهي أن من يدير الحكومة هي "حركة النهضة".
والصادم في الأمر أن "الإخونجية" في تونس هم من يديرون الحكومة، ولا أحد يهتم بإدارة البلاد أو هموم شعبها.
ومن سرق الحكومة من الدولة لم يكونوا من القوة لتنفيذ مخططاتهم لولا الدعم المالي القطري الذي يتم ضخّه لحماية هؤلاء، والحفاظ على مناصبهم.
ولو كانت الأموال التي قدّمت للحزب المتطرف فكريا وظّفت كاستثمارات في تونس، لدعم الاقتصاد وإنشاء فرص العمل، وإصلاح التعليم، لما وصلت البلاد لما هي عليه الآن.
عندما تأخذ كل قطاع على حدة، وتحاول رصد النقائص من أجل البحث عن حلول، تتوصّل إلى نتيجة أكيدة، وهي أن كلّ القطاعات العامّة والحكومية في تونس تنخر نفسها من الدّاخل، وكأن قوى خفيّة، تحمل الكره العميق نحو شعب لم "يتعاطف" معها في الفترة السابقة أثناء حكم الرئيس التونسي الأسبق مؤسس الدولة الحبيب بورقيبة وفترة زين العابدين بن علي، الذي ورغم كل ما وجّه إليه من اتهامات بالظلم والقمع والفساد حافظ على الدولة التونسية ومؤسّساتها، وجذب الاستثمار الأجنبي، ووفّر الأمن لكل التّونسيين وفي كلّ شبر من البلاد.
كما حاول بن علي تعزيز ثقافة التّسامح، وقبول الآخر والآن فقط تفهّم الشّعب رفضه اقتسام الحكم مع كل الأطراف المتطرفة، يمينية كانت أو يسارية.
ولا أدعو لعودة القمع السياسي والتسلط على حريّة الرّأي، لأن هذا الأمر سار الآن وأبسط مثال هو جاء على لسان النائب عن حركة النهضة في البرلمان التونسي والذي خاطب الشعب صراحة قائلا "جاثمون على قلوبكم".
نحتاج في تونس وفي كل الدول النامية التي تطمح لبناء نظام ديمقراطي إلى مرحلة يمكن أن نسميها "المرحلة الإعدادية"، والتي تكون أساساً من أجل إعداد الوعي، وترسيخ ثقافة قبول الآخرين والعمل معهم.
ومع الانتخابات المقبلة نهاية هذا العام في تونس، فإن آمال المواطنين التونسيين ضعيفة جداً في إمكانية أن تقوم الحكومة بأطرافها الحالية ومعارضيها وتقدم أي تغيير.
تونس في حاجة إلى قوى سياسية جديدة، والوعي القائم على قلة الوعي لدى الرّأي العام لديه قابلية الآن لدخول قوى استعمارية جديدة للبلاد مقابل توفير لقمة العيش، وعلى الأقل عودة البلاد لما كانت عليه قبل الثورة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة