تونس تغازل صندوق النقد.. هل تستأنف المفاوضات مع المؤسسة المالية؟
منذ فترة تعرضت مفاوضات تونس مع صندوق النقد الدولي لحالة من الجمود، رغم إعلان الحكومة التونسية في موازنتها لسنة 2025 عن إجراءات تشبه الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على البعد الاجتماعي للدولة.
والثلاثاء، توجه وزير الاقتصاد التونسي، سمير عبد الحفيظ، ومحافظ البنك المركزي التونسي، فتحي زهير النوري، إلى واشنطن لتمثيل البلاد في اجتماعات الخريف السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين، التي انطلقت رسميا، الثلاثاء.
وقبل انطلاق اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين، اجتمع الرئيس التونسي قيس سعيد الخميس الماضي بقصر قرطاج، بمحافظ البنك المركزي فتحي زهير النوري، بخصوص مشاركة الوفد التونسي في هذه الاجتماعات.
وأكد سعيد خلال اللقاء “أن موقف تونس ثابت ولن تتخلى الدولة عن دورها الاجتماعي، كما لن تقبل بأي إملاء من أي جهة كانت”.
وشدد سعيد على أن الذوات البشرية ليست وحدات حسابية يتم احتسابها بناء على عناصر يضعها من يريد وضعها لترسيخ نظام اقتصادي عالمي غير عادل.
ويرى خبراء الاقتصاد في تونس أن موازنة الدولة لسنة 2025 لم تتضمن بندا حول الاقتراض من صندوق النقد الدولي لكنها تضمنت إصلاحات شبيهة بما يشترطه الصندوق للحصول على القرض ما يشير إلى إمكانية عودة المفاوضات مع الصندوق في المدة القادمة.
وقال أستاذ الاقتصاد التونسي رابح البوراوي إن قانون المالية للسنة المقبلة ينص على ضرورة الحفاظ على البعد الاجتماعي للدولة لكنه في ذات الوقت تضمن إجراءات لإصلاح الاقتصاد هي نفسها التي يشترطها صندوق النقد الدولي ما عدا شرط بيع المؤسسات الحكومية المفلسة لكن نص على العمل على إصلاحها.
وأكد لـ"العين الإخبارية" أن مشروع قانون المالية نص على خفض الأجور وترشيد النفقات وحوكمة الدعم، مع مواصلة إيقاف الانتدابات باستثناء القطاعات ذات الأولوية على غرار الأمن والجيش والصحة والتعليم.
وتابع " كما نص على الحفاظ على التوازنات المالية وخفض الدعم وتقليص اللجوء إلى الدين الخارجي وتعزيز القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية، وهي الإجراءات نفسها التي يطلبها صندوق النقد الدولي من تونس.
تونس لم تغلق الباب
من جهته، قال الأستاذ الجامعي في الاقتصاد آرام بلحاج، إن تونس لم تغلق الباب أمام المؤسسات الدولية، حيث واصلت التعامل مع البنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية والفاعلين الاقتصاديين في العالم عبر الحصول على قروض.
وأكد لـ"العين الإخبارية" أنه كان بالإمكان الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على أساس الخيارات الوطنية والحصول على تمويلات.
من جهة أخرى، أكد بلحاج غياب تونس في أجندة البنك وصندوق النقد الدوليين، التي تضم العديد من البلدان مثل كوستاريكا وجنوب أفريقيا وباكستان، وبعض دول أفريقيا جنوب الصحراء للاطلاع على تجاربهم.
ورجّح آرام بلحاج، في هذا الصدد، إمكانية تراجع اهتمام صندوق النقد الدولي بالتجربة التونسية، مشددا على أن مثل هذه الاجتماعات فرصة لعودة العلاقات على ما كانت عليه، وعودة الشراكة وفق مصالح مشتركة على حدّ تعبيره.
وقال بلحاج، في ذات السياق، "إذا أرادت تونس أن تستمر بأن تكون بلدا منفتحا فمن مصلحتها التعامل مع هذه المؤسسات".
أسباب الرفض
وترفض تونس الشروط التي فرضها صندوق النقد الدولي، وتعتبرها إملاءات من شأنها أن تهدد السلم الأهلي في البلاد خاصة وأن تونس احتفت هذه السنة بمرور 40 سنة على أحداث الخبز التي اندلعت بسبب شروط سابقة فرضها الصندوق على الحكومة التونسية التي كان يرأسها محمد المزالي في 3 يناير/كانون الثاني 1984 والتي أسفرت عن سقوط 89 قتيلاً والمئات من الجرحى في صفوف المتظاهرين.
ويشترط صندوق النقد الدولي على تونس مقابل منحها القرض، إصلاحات تتمثل في خفض الدعم وتقليص تكلفة الأجور العامة وخصخصة المؤسسات الحكومية التي تعاني أزمات مالية.
والمحادثات بين تونس وصندوق النقد الدولي بشأن برنامج تمويل جديد في إطار آلية تسهيل الصندوق الممدد ما زالت عالقة منذ سنتين .
وكان صندوق النقد والسلطات التونسيّة قد توصلا في أكتوبر/تشرين الأول 2022 لاتفاق على مستوى الخبراء لدعم السياسات الاقتصادية لتونس ببرنامج يمتد على 48 شهراً بعنوان "آلية تسهيل الصندوق الممدد" بقيمة تناهز 1.9 مليار دولار، لكن لم يُعرض ملف تونس على مجلس إدارة الصندوق منذ ذلك التاريخ.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تحقق تونس نموا في حدود 1.6% في عام 2024 و نحو 1.6% في 2025، وفق ما كشف عنه في تقريره بخصوص آفاق الاقتصاد العالمي الذي نشره خلال اجتماعات الخريف السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين، التّي انطلقت أمس، الثلاثاء، بواشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية.