تونس تكسر قيود صندوق النقد.. 3 سنوات من الصمود الاقتصادي وسط أزمات خانقة

تواصل تونس للعام الثالث على التوالي رفض اللجوء إلى صندوق النقد الدولي متمسكة بسياسة التعويل على الذات والحفاظ على البعد الاجتماعي للدولة.
وأكد الرئيس التونسي قيس سعيد، خلال لقائه محافظ البنك المركزي زهير النوري، أن خيار الدولة الاجتماعية خيار استراتيجي لا رجعة فيه، مشددا على أن سياسة الاعتماد على الموارد الوطنية أثبتت جدواها، وأن رفض الإملاءات الخارجية كان خطوة ضرورية للحفاظ على استقرار البلاد.
ويرى خبراء الاقتصاد في تونس أن مشروع موازنة الدولة لسنة 2026 يخلو من أي بند يشير إلى اقتراض جديد من صندوق النقد الدولي، وهو ما يؤكد استمرار النهج الذي تبنته الحكومة خلال السنوات الثلاث الماضية.
وأوضح الخبير الاقتصادي هيثم حواص لـ"العين الإخبارية" أن تونس لا تعتزم إطلاقا العودة للتفاوض مع الصندوق، مشيرا إلى أن هذا القرار يمثل خيارا استراتيجيا واضح المعالم.
وأشار حواص إلى أن مشروع قانون المالية الجديد يركز على تعزيز دور الدولة الاجتماعية من خلال دعم الفئات الهشة وذوي الدخل المحدود، وتحسين ظروفهم المعيشية، إضافة إلى الحد من البطالة عبر توفير فرص توظيف جديدة في القطاع العام خلال عام 2026، وتسوية الوضعيات الإدارية العالقة.
كما لفت إلى أن هذه الأهداف لا يمكن تنفيذها في ظل الشروط التي يفرضها صندوق النقد الدولي، والتي تتضمن خفض الدعم، وتقليص كتلة الأجور، وخصخصة المؤسسات العمومية، وهي شروط تعتبرها الحكومة التونسية تهديدًا للسلم الاجتماعي.
وأضاف حواص أن تونس اعتمدت خلال السنوات الماضية على الاقتراض الداخلي من البنوك المحلية لتغطية احتياجاتها، وهو ما أدى إلى ارتفاع كلفة التمويل ونقص السيولة في السوق، داعيا إلى البحث عن بدائل مبتكرة ومستدامة.
وفي السياق ذاته، قال أستاذ الاقتصاد التونسي، حسن عبد الرحمن لـ"العين الإخبارية" إن سياسة التعويل على الذات تهدف إلى تحقيق الاستقلال الاقتصادي من خلال استغلال الموارد الوطنية، لكنها في الحالة التونسية اقتصرت على تقليص الاقتراض الخارجي، والاعتماد على التمويل الداخلي، مع فرض قيود على الواردات للحفاظ على احتياطي العملة الصعبة.
وأوضح عبد الرحمن أن هذه السياسة لم تحقق نموا اقتصاديا ملموسا أو طفرة استثمارية، بل ساهمت في انكماش الاقتصاد وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، رغم انخفاض نسبة التضخم إلى 5.4%.
وأشار عبدالرحمن إلى أن تونس اعتمدت بشكل رئيسي على قطاعات مثل السياحة، وتصدير زيت الزيتون والتمور، وتحويلات التونسيين بالخارج، إلى جانب الاقتراض الداخلي من المصارف المحلية، دون التوسع في الاقتراض الخارجي.
ودعا إلى المضي قدمًا في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، معتبرا أن شروط المؤسسات المالية الدولية، رغم قسوتها، ضرورية لإنقاذ النظام الجبائي وإصلاح منظومة الدعم وإنعاش المؤسسات العمومية المتعثرة.
ومنذ فبراير/شباط 2021، لم تتمكن بعثات صندوق النقد الدولي من استكمال المراجعة الرابعة لبرنامج التعاون مع تونس، والذي ينص على إنهاء الاستشارة من مجلس الإدارة خلال 12 شهرا من إغلاق الاستشارة السابقة مع فترة سماح إضافية تبلغ ثلاثة أشهر.
وتوقفت المفاوضات مع الصندوق منذ ما يقرب من 3 سنوات، بعد توقيع اتفاق مبدئي عام 2022 يمنح تونس قرض تسهيل ممدد بقيمة 1.9 مليار دولار مقابل تنفيذ إصلاحات اقتصادية قاسية رفضها الرئيس قيس سعيد.
وأدى تجميد العلاقات مع صندوق النقد الدولي إلى جفاف التمويل الخارجي للميزانية سواء متعدد الأطراف أو الثنائي، ما أجبر السلطات على الاعتماد بشكل مكثف على التمويل المحلي. وتستمر تونس في رفض الشروط التي تراها تهديدًا للاستقرار الاجتماعي، متمسكة بخيار التعويل على الذات رغم الأزمات الاقتصادية العميقة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAg
جزيرة ام اند امز