فرنسا ليست اليونان.. لماذا تثق باريس باقتصادها رغم الديون الضخمة؟

مع اقتراب موعد 8 سبتمبر/أيلول، حيث يلوح في الأفق احتمال سقوط الحكومة الفرنسية مجددًا، تتجه الأنظار نحو الاقتصاد والأسواق المالية وسط مخاوف من أزمة كبرى على خلفية دين عام هائل.
ورغم التشابه الذي قد يقارن وضع فرنسا بما عاشته اليونان في 2008، فإن الخبراء يرون الفارق كبيرًا، لكنهم لا يخفون قلقهم من التداعيات السياسية المستمرة.
ومع احتمال حدوث انقلاب حكومي جديد في 8 سبتمبر/ أيلول في فرنسا، تتزايد المخاوف من أزمة اقتصادية كبرى تُفاقمها الديون الضخمة.
من جانبه، قال ماتيو بلان، الخبير الاقتصادي في OFCE (المرصد الفرنسي للأوضاع الاقتصادية)، إن التهديد جدي لكنه يستحق بعض التخفيف، بحسب صحيفة "لوجورنال دو سنتر" الفرنسية.
وقال بلان: "مستوى عدم اليقين السياسي ارتفع منذ حلّ الجمعية الوطنية، وهو ما ينعكس بالفعل على الاقتصاد. فالأسر تدّخر أكثر، مما يقلص الاستهلاك، علمًا بأن الاستهلاك يمثل 50% من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا ما يبطئ النمو. اما الشركات من جانبها فتؤجل الاستثمارات والتوظيفات. وإذا استمرت الأزمة، فهناك خطر الدخول في ركود".
وأضاف بلان: "سننتظر ما سيحدث في 8 سبتمبر/ أيلول، لكن من المرجح أن حكومة بايرو ستُسقط عبر حجب الثقة. المستقبل الاقتصادي سيتوقف عندها على المسار السياسي ومصير الميزانية، إذ ستراقب الأسواق عن كثب السياسة المالية وقدرة الدولة على طمأنة المستثمرين بشأن خفض العجز".
أزمة ثقة أكثر من أزمة أرقام
وأشار الخبير الاقتصادي الفرنسي إلى أنه رغم ارتفاع حجم الدين العام الفرنسي إلى مستويات تاريخية، إلا أن الأسواق المالية لا تعتبره بعد غير مستدام، بخلاف ما كان عليه الوضع في اليونان عام 2008، موضحًا أن الفرق الجوهري أن فرنسا لا تعاني من عجز هيكلي في القدرة على الاقتراض، بل من أزمة ثقة سياسية.
وتابع: "كلما زادت الشكوك حول استقرار الحكومات وتعاقبها السريع، كلما ارتفعت كلفة الاقتراض، وهو ما قد يخلق دوامة سلبية تشبه تلك التي مرت بها دول جنوب أوروبا".
دور الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي
ووفقًا للخبير الاقتصادي الفرنسي فإن هناك عاملًا آخر يحمي فرنسا من سيناريو اليونان هو موقعها داخل الاتحاد الأوروبي وقوة حضورها في البنك المركزي الأوروبي.
وأوضح بلان أنه "في حين تُركت اليونان تقريبًا وحدها في مواجهة أسواق السندات، فإن فرنسا تتمتع بثقل سياسي واقتصادي يجعل إنقاذها أو دعمها ضرورة أوروبية، لا مجرد خيار. لكن هذا لا يمنع من أن التهاون في ضبط الميزانية قد يُضعف نفوذها، ويعطي برلين وبروكسل مبررًا لفرض رقابة مالية أشد".
المخاطر الحقيقية على المدى الطويل
كما يرى الخبير الاقتصادي الفرنسي أن المخاوف الفعلية لا تكمن فقط في العجز أو الدين، بل في تآكل النمو الاقتصادي نتيجة عدم الاستقرار. كل أزمة سياسية تؤدي إلى تأجيل الاستثمارات الخاصة، وتُضعف قدرة الدولة على تنفيذ إصلاحات بنيوية في سوق العمل أو نظام التقاعد أو الإنفاق العام.
ووفقًا للخبير الاقتصادي فإن هذا البطء في الإصلاحات يجعل الدين العام يتراكم دون أن يقابله نمو قوي، وهو ما قد يضع فرنسا تدريجيًا أمام سيناريو شبيه بالأزمة الإيطالية: اقتصاد ضخم لكنه مثقل بالديون، معرض للركود ومهدد بفقدان الثقة تدريجيًا.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuOTYg جزيرة ام اند امز