مائدة يوغرطة.. الحصن الطبيعي الذي يروي تاريخ الأجداد في شمال غربي تونس
تقف "مائدة يوغرطة" شامخة في أعلى مرتفعات مدينة قلعة السنان شمال غربي تونس، بالقرب من الحدود الجزائرية، لتروي قصة انتصارات الأجداد وبطولات التاريخ النوميدي.
تُعد "مائدة يوغرطة" معلمًا طبيعيًا وتاريخيًا فريدًا، تسعى تونس لإدراجه في قائمة اليونسكو للتراث العالمي كموقع مزدوج يجمع بين القيمة الطبيعية الجيولوجية الاستثنائية والقيمة الثقافية والتاريخية، حيث ارتبط بالبطل الأمازيغي يوغرطة. وقد تم تقديمها للقائمة التمهيدية لليونسكو في عام 2017.
المائدة عبارة عن حصن طبيعي منيع استخدمه الملك الأمازيغي يوغرطة خلال حربه ضد الرومان في القرن الثاني قبل الميلاد. وتقع على ارتفاع أكثر من 1170 مترًا عن سطح الأرض، وتمتد على مساحة 80 هكتارًا، وتتخذ شكل طاولة ضخمة، وهو ما دفع السكان الأوائل لإطلاق اسم "المائدة" عليها.
ونسبةً إلى اسم "يوغرطة"، فإنها تعود لقائد مملكة نوميديا الذي احتمى بهذه الصخرة طوال عام كامل تفاديًا للقبض عليه من قبل الرومان، قبل أن يُسلم في نهاية المطاف نتيجة خيانة زوج والدته، ملك موريتانيا آنذاك بوكوس، إلى القوات الرومانية بقيادة ماريوس.
مملكة نوميديا، العريقة في التاريخ الأمازيغي، كانت عاصمتها سيرتا (مدينة قسنطينة الجزائرية حاليًا)، وامتدت من غرب تونس الحالية إلى جزء من المغرب، وصولًا إلى وادي ملوية، وأجزاء من ليبيا الحالية حتى حدود إقليم برقة، لتصبح من أبرز الممالك القديمة للأمازيغ وأكثرها قدمًا.
كما ارتبطت مائدة يوغرطة لاحقًا بالفتوحات الإسلامية، حيث احتمى بها البربر الأمازيغ، واستخدمها حسين باي، أول بايات تونس في القرن السابع عشر، مركزًا لحصنه ضد خصومه المراديين. كما اعتمد الحلفاء على المائدة كموقع استراتيجي خلال الحملة على تونس في الحرب العالمية الثانية، ما يعكس أهميتها كحصن طبيعي لا يمكن الوصول إليه إلا عبر سلم حجري منحوت على طول الصخرة.
تحتوي المائدة على خزانات مائية وكهوف، كما يتيح سطحها للزائرين التمتع بمشهد واضح للمنطقة الحدودية التونسية والجزائرية على حد سواء. ويحيط بها جبال وسهول وهضاب خضراء، تتألق شتاءً بتساقط الثلوج وربيعًا بالكساء النباتي والأزهار البرية، ما يجعلها مقصدًا طبيعيًا وسياحيًا فريدًا في ولاية الكاف.
وقال الناشط بالمجتمع المدني بمدينة قلعة السنان، بسام العبيدي، إن المدينة تشتهر بـ"مائدة يوغرطة"، وهي قبلة مهمة للسياح من تونس ومن مختلف أنحاء العالم لاكتشاف هذا المعلم الفريد. وأضاف أن المائدة تحتوي على كهوف وأحواض لجمع المياه، وتعد ثالث أعلى قمة في تونس بعد جبل الشعانبي في القصرين وجبل برقو في سليانة.
وأشار العبيدي إلى أن سطح المائدة يضم مسبحًا مائيًا طبيعيًا تنمو حوله النباتات، كما تحتوي على مئات الفوهات التي حفرها النوميديون لتخزين المؤونة في الصخر وللاستفادة من التكييف الطبيعي. وأكد أن السلطات التونسية بذلت جهودًا كبيرة لإدراج المائدة ضمن لائحة التراث العالمي لليونسكو، تقديرًا لقيمتها التاريخية والطبيعية الفريدة.





