حل المجالس البلدية.. تونس "تقطع دابر" الإخوان
لطالما راهن إخوان تونس على المجالس البلدية للسيطرة على مفاصل الدولة ومخالفة القانون لخدمة مصالح التنظيم الدولي.
فرغم انحصار الإخوان في الزاوية وانتهاء فترة حكمهم إلا أن ممثليهم في البلديات ما زالوا يصولون ويجولون ويشتغلون سرا لصالح تنظيمهم الذي بات جل قياداته في المعتقلات.
قرار الرئيس التونسي قيس سعيد الذي أعلن عنه فجر أول أمس الخميس بعزمه حلّ كل المجالس البلدية وتعويضها بنيابات خصوصية (مجالس مؤقتة لإدارتها)، كان آخر مسمار يُدق في نعش الإخوان.
وفي فيديو نشرته الرئاسة التونسية، حينها، أشرف سعيّد على اجتماع لمجلس الوزراء، موضحاً أنّه سيتم بحث مراسيم أخرى تتعلق بحل المجالس البلدية.
هذا الإجراء العاجل لضبط المجالس البلدية وتنقيتها من عناصر تنظيم الإخوان الإرهابي، ومحاسبة المسؤولين عن وقائع فساد مالي وسياسي هو أبرز مطالب التونسيين لإنهاء حقبة سوداء في تاريخ تونس.
قيادات بارزة من تنظيم الإخوان لا يزالون في عدة مناصب بلدية بالرغم من تورطهم في قضايا فساد مالي والاستيلاء على المال العام وتسهيل عمليات مشبوهة لصالح النهضة ولخدمة أهدافها بما يخالف القانون التونسي إلا أنهم ما زالوا يباشرون مهامهم.
ويأتي قرار حل البلديات ضمن الإجراءات الاستثنائية التي أعلنها منذ يوليو/تموز 2021، والتي تأتي، وفق قيس سعيد، للقطع مع العبث والديمقراطية الشكلانية، ولتحرير الوطن من كل العابثين.
وأظهرت النتائج الأولية المتعلقة بانتخابات رؤساء البلديات التونسية لسنة 2018 ،أن حركة النهضة الإخوانية سيطرت على أكبر نصيب من البلديات، وتمكنت إلى جانب القائمات المستقلة من الاستحواذ على نحو 71.5 في المئة، إثر الإعلان عن نتائج انتخابات رؤساء البلديات في نحو 208 بلديات، من مجموع 308.
أما الأحزاب التي حصلت على بقية المقاعد فهي تحالف الجبهة الشعبية اليساري، وحزب التيار الديمقراطي، وحركة الشعب، والائتلاف المدني (يضم نحو 11 حزبا سياسيا) وحزب البعث.
ضربة قاصمة للإخوان
ويرى مراقبون للمشهد السياسي التونسي أن حل المجالس البلدية هي ضربة قاصمة لحركة النهضة وعصاباتها.
وقال المتحدث باسم حراك "25 يوليو" إن قطار المحاسبة انطلق ولن يتوقف إلا بمحاسبة كل شخص أجرم في حق تونس.
وأكد، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن المجالس البلدية الحالية أغلبها وجوه في مجملها تنتمي إلى منظومة الإخوان السابقة.
وأِشار إلى أن قرار تنصيب نيابات خصوصية قبل تنظيم الانتخابات البلدية المقبلة هو قرار صائب، قائلا إنه من "الضروري تعويض المجالس التي تحكمت فيها حركة النهضة بنيابات خصوصية حتى يصبح هناك مناخ مؤهل للانتخابات".
من جهة أخرى، قالت وفاء الشاذلي المحامية والناشطة السياسية التونسية إن قرار حل المجالس البلدية "ضربة أخرى لم تخطر على بال الإخوان، فقد كان برنامجهم توزيع التراخيص واستقطاب المواطنين للفوز في الانتخابات البلدية التي خططوا لها بكل خبث للانقلاب على مسار 25 يوليو 2021 بمساعدة أعوانهم".
الشاذلي أكدت أن "الرئيس التونسي كعادته قطع بهم الحبل"، قائلة إن "شيخة مدينة تونس الحالية (رئيسة بلدية تونس العاصمة) سعاد عبدالرحيم، ورئيس بلدية الكرم ضواحي العاصمة، ورئيس بلدية صفاقس الجنوبية، كلهم ممثلون عن حركة النهضة، وأمير الكرم باي باي رئيس بلدية صفاقس".
وأوضحت أن "وزير الداخلية توفيق شرف الدين هو من سيعين أعضاء مؤقتين، وحسب المرسوم الذي سيتم إصداره لاحقا، الكتاب العامون هم من سيسيرون البلديات".
خارطة الطريق
من جهة أخرى، قال الصحبي الصديق المحلل السياسي التونسي إن "ملف البلديات في غاية من الأهمية، وكان يحتاج إلى تدخل عاجل من جانب السلطات التونسية لاستكمال خارطة الطريق التصحيحية التي بدأ بها الرئيس منذ الإعلان عن الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو/تموز الماضي وما تبعها من خطوات قانونية وسياسية لتطهير مؤسسات البلاد من الفاسدين".
وفي حديث لـ"العين الإخبارية"، قال الصديق إن "إخوان تونس تغلغلوا في البلديات المختلفة لحشد الناخبين، كما حاولوا خلال الفترة الماضية استغلال وجودهم وسيطرتهم ببعض المناطق لحشد المتظاهرين ضد قرارات الرئيس قيس سعيد، لكن الشعب أجهض هذه المحاولات التخريبية".
قرار متوقع
من جهة أخرى، أكد رئيس جامعة البلديات"نقابة" عدنان بوعصيدة، أن "قرار حل المجالس البلدية كان متوقعا ومنتظرا، خاصة أن المجالس البلدية تنتهي عهدتها في أقصى الحالات 12 يونيو/تموز 2023".
بوعصيدة أضاف -في حديث لـ"العين الإخبارية"- أن "اقتراح سعيد إصدار مرسوم لحل المجالس البلدية وتعويضها بنيابات خصوصية، كان متوقعا ومنتظرا منذ مدة، خاصة أنه يتوافق مع انتهاء عهدتها".
ولفت إلى أن "أعضاء النيابات الخصوصية سيتم تعيينهم من طرف السلطة السياسية أو وزارة الداخلية".
توقيت القرار
وحول قرار الرئيس التونسي وأسبابه وتوقيته وتداعياته على تحالف الفساد بالارهاب، يرى باسل ترجمان الكاتب التونسي والباحث السياسي، أن حل المجالس البلدية كان مطلبًا شعبيا جماهيريًا بلا شك نظرا لتفشي الفساد في "مجالس البلديات" فضلًا عن تحالف بعض أعضائها مع الإرهاب بشكل معلن.
وفي حديث لـ"العين الإخبارية" قال ترجمان إن: "الكل يعلم في تونس أن المجالس البلدية قد تفشى فيها الفساد بشكل غير مسبوق، وعلى وجه التحديد في الخمس سنوات الأخيرة، وأن حلها كان خطوة أولى حقيقية نحو استئصال الفساد وتجفيف منابع التمويل لجماعة الإخوان فرع تونس "حركة النهضة".
"الفساد والإرهاب جناحا الإخوان في تونس" بحسب ترجمان الذي قال إن قرار حل المجالس البلدية سيكون أول خطوة نحو استعادة الدولة المركزية لسيادتها، مضيفًا: "قانون المجالس البلدية الحالي والذي ينوي الرئيس مراجعته، قد سن في عهد حزب النهضة، وهدفه الأول تفكيك الدولة وإضعافها".
وتابع: "هذه البلديات تورطت في كل ما هو مخالف للقانون، وشارك بعضهم في تهريب الأموال وتبييضها، وعبر التحالف المعلن مع أعضاء الإخوان المسيطرين على عدد كبير من مجالس البلديات".
معادل قيس سعيد
وحول توقيت القرار يرى ترجمان أن الخطوة التي اتخذها الرئيس قيس سعيد استباقية وقطعت الخط على جماعة الإخوان فقد كان المخطط استغلال البلديات والسيطرة على الحكم المحلي الداخلي، بهدف نشر الفوضى والتخريب وتعطيل المرافق العامة، اليوم بعد تلك الخطوة لن يتمكنوا من ضرب الوطن.
ويرى الباحث السياسي التونسي أن أهمية قرار الرئيس التونسي بحل المجالس البلدية ينبع من كون قيس سعيد يعمل على تنفيذ المعادلة المعروفة وهي "حل المجالس البلدية + إصدار قانون ينظم العملية الانتخابية+ محاسبة المفسيدين والفاسدين+ استقرا وحماية الوطن واستعادة اموال الشعب المنهوبة ووقف دعم الجماعة الارهابية".
خطوة كاشفة للإرهاب
متفقا مع ما ذهب إليه ترجمان يرى حازم القصوري، المحامي التونسي والخبير في الشؤون السياسية، أن قرارات الرئيس قيس سعيد خطوة كاشف للإرهاب المتحالف مع الفساد في المجالس البلدية.
وأكد القصوري في حديث لـ"العين الإخبارية" أن الإخوان كانوا يراهنون على تحالف سياسي بينهم لفرض واقع سياسي قد يحتم على التونسيين الدخول في انتخابات رئاسية مبكرة.
ويقول القصوري إن "واقع الإخوان خلال الفترة السابقة، عنوانه الهزيمة، فهم بعد أن لفظهم الشعب وخسروا الحاضنة الشعبية التي كانوا يستمدون منها الشرعية الشعبية، ومن ناحية أخرى وبعد تحويل العديد من قياداتهم إلى القضاء بتهم مختلفة ومتعددة باتوا على خطوة من فقدان الشرعية القانونية، ولذلك قرروا أن يشيعوا الفوضى في البلاد، مرتكزين على أنصارهم في البلديات، وتوجيه ضربة للحياة السياسية والاجتماعية التونسية".
ويستكمل "هدفهم هو وقف محاكمة قياداتهم المتورطين في الارهاب والفساد، وإعادة البلاد إلى حالة فوضى الأمنية من أجل إعادتهم للمشهد مرة ثانية".
ويؤكد القصوري" أن تلك خطوة من الرئيس التونسي سيتبعها خطوات تالية، وأكثرها أهمية في الوقت الرهان إقرار قانون ينظم العملية الانتخابية لمجالس البلديات، إضافة إلى فتح ملفات الفساد في بلدية تونس التي يسيطرون عليها وهي مربط الفرس عند الإخوان، لكن الرئيس قطع عليهم أحلام استمرار السيطرة وأفسد مخططتهم، فضلا عن تورطهم في الفساد والارهاب مما سيعجل من نهايتهم.
رد فعل الإخوان
عن توقعاته لرد فعل جماعة الإخوان تجاه تلك الخطوة، يرى القصوري أن الدولة التونسية استعادت هيبتها وقدرات مؤسساتها ولن يسمح للمخربين والفاسدين والارهابيين بأي تحرك غير قانوني، مشيرا أن ملفات البلديات وما تحتويه من مخالفات سيتم التحفظ عليها ليحن تقديمها إلى النيابة العامة.
aXA6IDE4LjIxNi4xMDQuMTA2IA==
جزيرة ام اند امز