قانون ينهي استقلالية مصرف تونس المركزي.. هل يساعد الاقتصاد على التعافي؟
ينظر قريباً البرلمان التونسي في مشروع قانون جديد تقدم به 27 نائباً يقضي بإجراء تعديل على القانون الأساس للبنك المركزي التونسي، في اتجاه تجريده من بعض الصلاحيات أبرزها التمويل المباشر لموازنة الدولة.
وتأتي مطالب إعادة النظر في قانون البنك المركزي التونسي بعد 8 سنوات من حصوله على الاستقلالية التامة عن السلطة التنفيذية بمقتضى قانون أقره البرلمان في أبريل/نيسان 2016. وصادق البرلمان التونسي حينها على القانون، بعد أن دافعت الحكومة عن خياراتها عبر منح البنك مزيداً من الاستقلالية لتعزيز أدائه.
وتمر تونس بأزمة اقتصادية تتمثل في ديون تتجاوز 80% من الناتج المحلي الإجمالي.
وتباينت آراء المختصون والخبراء في الاقتصاد في تونس بين من يرى بأن استقلالية البنك المركزي ستعود بالنفع على المالية العمومية وبين من ينبه من تداعياتها.
وتمكن البنك المركزي التونسي من الحصول على استقلالية تامة عن السلطة التنفيذية قبل سبع سنوات، بمقتضى القانون 35 المؤرخ في 25 أبريل/نيسان عام 2016، ويضبط النظام الأساسي في نص الفصل الثاني منه على أن البنك مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي.
ويحدد الفصل الثاني مسؤوليته ويذكر أنه مستقل في تحقيق أهدافه ومباشرة مهامه والتصرف في موارده، ويخضع للمتابعة والمساءلة من قبل البرلمان.
وبمقتضى قانون 2016، لم يعد مسموحاً للحكومة إصدار أي تعليمات للبنك المركزي، كما حصل على السلطة المطلقة في ضبط السياسة النقدية، والإنفاق والتحكم في الاحتياطي النقدي، والتصرف في الذهب.
ويضع برلمانيون تعديل القانون الأساسي للبنك المركزي ضمن خطة الإصلاحات الاقتصادية العاجلة التي تحتاجها البلاد في إطار معاضدة الجهود الحكومية على تعبئة موارد مالية لفائدة الموازنة بأقل كلفة ممكنة، في ظل ارتفاع نسب الفائدة على القروض الممنوحة للدولة محلياً ودولياً.
وسبق أن قال الرئيس التونسي قيس سعيد، أثناء زيارته مقر البنك المركزي التونسي: "إن سياسات البنك يجب أن تكون في تناسق مع السياسات الحكومية"، معتبراً أن البنك المركزي قام بدور مهم في السيطرة على نسب التضخم، غير أنه مطالب بالمساهمة المباشرة في تمويل الموازنة.
تمويل مباشر
من جهته، قال البرلماني التونسي يوسف طرشون، لـ"العين الإخبارية" إن هذه المبادرة التشريعيّة الجديدة تقدّم بها 37 نائباً تهدف أساسا إلى تغيير القانون في شكله الحالي لإيقاف استنزاف موارد الدولة وتوريطها في ديون مع فوائض.
وأوضح أن هذه المبادرة ستسمح للبنك بتمويل مباشر للخزينة العامة، بعد أن كان هذا غير متاح وفقا لقانون عدد 35 المؤرخ في 25 أبريل/نيسان 2016.
وأكد أنه سيتمّ الشروع في مناقشة هذه المبادرة التشريعية بالتنسيق مع وزارة المالية، إثر الانتهاء من مناقشة مشروع ميزانية الدولة لسنة 2025.
وأفاد يوسف طرشون أنّ قانون 2016 يتضمن مشكلة تتعلّق بفصله الخامس والعشرين حيث ينصّ بشكل مباشر على أنّه لا يمكن للبنك المركزي أن يقرض الدولة مباشرة، ما جعل الدولة الدولة إلى اللجوء للبنوك التجارية، التي تحصل على عمولاتها مما زاد من أعباء الدولة.
وأكد أن البنك المركزي يجب أن يصبح فاعلاً في المسائل المتعلقة بالتنمية خاصّة التشغيل والاستثمار.
وينصّ القانون الصادر سنة 2016 المتعلّق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي، في الفقرة الرابعة من الفصل الخامس والعشرين على أنّه "لا يمكن للبنك المركزي أن يمنح لفائدة الخزينة العامة للدولة تسهيلات في شكل كشوفات أو قروض أو أن يقتني بصفة مباشرة سندات تصدرها الدولة. ولا ينطبق هذا على عمليات المساعدة المالية التي يمنحها البنك المركزي حسب الشروط المبينة بهذا القانون، لفائدة البنوك والمؤسسات المالية التي تملك الدولة بصفة مباشرة أو غير مباشرة مساهمات في رأس مالها".
تغيير 11 فصلاً
من جهة أخرى، قال الخبير الاقتصادي التونسي هيثم حواص إن مشروع تعديل قانون البنك المركزي التونسي شمل تغيير 11 فصلاً.
وأكد لـ"العين الإخبارية" أن الفصل 25 هو الفصل الأهم باعتباره يمس فعليا من استقلالية البنك المركزي حيث ينص في النقطة الرابعة منه على أن "يتمّ آليا تمويل خدمة الدين الخاصة بالقروض المقوّمة بالعملة الأجنبية باستخدام احتياطات العملة الأجنبية التي يحتفظ بها البنك المركزي دون اللجوء إلى قروض جديدة.. شرط أن تكون الاحتياطات المذكورة أكبر أو تساوي 90 يوماً من الاستيراد في يوم الحجز".
وقال "إذا كانت الغاية من مراجعة قانون البنك المركزي تمويل الميزانية فقط فإن هذا التمشي خاطئ".
وأوضح أن إعادة مراجعة قانون البنك المركزي يجب أن يكون في اتجاه انخراط البنك أكثر فأكثر في السياسة الاقتصادية والسياسة التنموية.
وتلجأ حكومة تونس بشكل مكثف للسوق الداخلية من أجل تعبئة موارد لفائدة الموازنة أو إعادة جدولة ديون حل أجلها.
وفي 2024 تمّ اللجوء بصفة استثنائية إلى تمويل جزئي لميزانية الدولة بقرض مباشر من البنك المركزي، حيث صادق البرلمان في يناير/كانون الثاني المنقضي على طلب حكومي للحصول على تمويل مباشر من البنك المركزي بقيمة 7 مليارات دينار، لسداد ديون خارجية.
كذلك وقعت في مايو/أيار 2023 ، اتفاق تعبئة موارد بالعملة الصعبة بقيمة 400 مليون دينار، أي نحو 133 مليون دولار، حُصِّلَت من 12 مصرفاً محلياً.