"جلمة" التونسية.. انتفاضة متواصلة ضد الفقر والتهميش
محافظة سيدي بوزيد شهدت الأيام الماضية احتجاجات بعد انتحار شاب رفضا للفقر والبطالة بما يعيد إلى الأذهان واقعة البوعزيزي.
لم تهدأ الصدامات بين قوات الأمن التونسي والأهالي المحتجين في منطقة "جلمة" التابعة لمحافظة سيدي بوزيد (قرابة 300 كلم عن العاصمة تونس) منذ السبت الماضي.
- صدامات بين الأمن ومتظاهرين بتونس بعد وفاة شاب حرقا لتردي الأوضاع
- تهديدات إخوان تونس للإعلاميين تثير مخاوف من "بلعيد" جديد
3 أيام من الكر والفر بين قوات الأمن والمحتجين على قضايا الفقر والبطالة يعيد إنتاج مشهد "درامي" تعيشه المحافظة منذ حرق محمد البوعزيزي نفسه في 17 ديسمبر/كانون الأول عام 2010 .
وقال مراقبون إن الوضع الذي دفع الأهالي إلى الانتفاضة عام 2011 لم يتحسن وبقيت سيدي بوزيد عنوانًا لارتفاع نسب الفقر والبطالة أمام عجز الحكومة على تقديم الحلول المطلوبة للقفز بأحلام الشباب إلى واقع أرحب.
وكان المفجر لاندلاع هذه الاحتجاجات هو إقدام عبدالوهاب الحبلاني شاب في الخامسة والعشرين من عمره على الانتحار بعد رفض السلطات المحلية تسديد راتبه.
وهي الواقعة التي انطلقت بعدها المسيرات العفوية لهذه البلدة الصغيرة (6 آلاف ساكن) احتجاجا على ما أسموه سياسة "الإفقار" الممنهج الذي اتبعته الحكومات المتعاقبة بعد عام 2011.
أسباب الانتفاضة
وإزاء هذه التحركات الاحتجاجية وجه الاتحاد العام التونسي للشغل تحذيرات إلى الحكومة من مغبة الإفراط في استعمال القوة ضد المتظاهرين وقمع المحتجين.
وجاء التحذير بعد الشهادات التي أثبتت استخدام قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع وتسجيل حالات الاختناق في صفوف الأطفال والشيوخ.
وقال القيادي النقابي بالاتحاد عز الدين الماجري في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن الأسباب الرئيسية لتحرك الأهالي هو ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب.
وأكد أن 80% من أصحاب الشهادات العلمية في المحافظة لا يشتغلون.
وأضاف أن إحصائيات مركز الدراسات الإحصائية صلب الاتحاد العام التونسي للشغل تبين أن 40% من سكان الجهة يعيشون على خط الفقر مع انعدام المرافق الأساسية كالماء الصالح للشراب وتردي البنية التحتية الضرورية.
وأشار الماجري إلى أن الحكومات المنبثقة عن حركة النهضة الإخوانية زادت في تعميق الأزمة الاجتماعية من خلال عجزها على تقديم الحلول أو طرح البرامج القادرة.
واعتبر القيادي النقابي أنه إضافة إلى الأزمة الاجتماعية الخانقة التي تتخبط فيها المناطق التابعة لسيدي بوزيد كمدينة "جلمة"، حيث مسرح الأحداث؛ يعيش السكان مخاطر الإرهاب وتمركز الجماعات المسلحة في جبل "مغيلة".
عربة التنمية المعطوبة
ورأى العديد من المراقبين في تونس أن المحافظات الداخلية والواقعة على الشريط الحدودي مع الجزائر هي خزان للانتفاضة ضد السلطة المركزية الموجودة في العاصمة تونس.
ولفتوا إلى أن الواقع الاجتماعي لهذه المحافظات لم يتحسن بالشكل الكافي في ظل تعطل منظومة الحكم عن تقديم البدائل التنموية.
ورأت الباحثة في علم الاجتماع نهى الصغير أن الأسباب نفسها التي دفعت محمد البوعزيزي لحرق نفسه عام 2010، هي ذاتها التي دفعت الشاب عبدالوهاب الحبلاني إلى الالتجاء للانتحار كتعبير احتجاجي عن تردي أوضاعه.
مشيرة إلى أنها الأسباب ذاتها التي تدفع آلاف الشباب من تونس إلى محاولة اجتياز الحدود البحرية للهجرة إلى أوروبا.
وذكرت الباحثة في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن الدولة التونسية عجزت عن زراعة الأمل في المستقبل لهذه الجهات الداخلية وخاصة سيدي بوزيد.
ولم تقدم حكومات ما بعد انتفاضة عام 2011 تصورات تنموية ناجعة تكون قادرة على استقطاب العدد الهائل من العاطلين.
وتقارب نسبة العاطلين عن العمل في تونس 18%، أي قرابة 800 ألف عاطل عن العمل حسب الأرقام الرسمية للمعهد التونسي للإحصاء.
وتوقعت الصغير أن الفلسفة الفاشلة للحكومة هي الوقود والمحرك للانتفاضة بسيدي بوزيد، قد تتسع رقعتها إلى المحافظات المجاورة في الأيام المقبلة.
aXA6IDMuMTUuMTg2Ljc4IA== جزيرة ام اند امز