سياسة
اندفاع تركي نحو مطار كابول.. آسيا الوسطى كلمة السر
تسعى تركيا إلى استثمار خروج القوات الأمريكية من أفغانستان، عبر الاندفاع نحو مهمة حماية "مطار كابول" ووضع قدمها في آسيا الوسطى.
ويقول محللون سياسيون ومراقبون إن خطوات تركيا المندفعة للبقاء في أفغانستان، وحماية مطار كابول، تعكس رغبة أنقرة في التمدد في منطقة وسط آسيا، بما يخدم الطموح التركي الزائف لاستعادة المجد العثماني وإقامة دولة عظمى مترامية الأطراف.
وأكد هؤلاء المحللون في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية" أن المفاوضات لا تزال جارية ولا يوجد اتفاق نهائي بين الجانبين التركي والأمريكي حتى اللحظة، رغم إعلان أنقرة التوصل لاتفاق بالفعل.
بيد أنهم قالوا إن الوصول لاتفاق نهائي بين أنقرة وواشنطن بشأن حماية مطار كابول، والتفاهم بين الجانبين، سينعكس سلبا على علاقات نظام أردوغان بالعالم العربي، وابتعاد الأخير عن خطوات التطبيع مع مصر ودول عربية.
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الجمعة، أن أنقرة وواشنطن اتفقتا على تولي قوات تركية تأمين مطار كابول بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.
وقال أردوغان، في تصريحات صحفية، خلال زيارة إلى مدينة ديار بكر التي تقطنها أغلبية كردية في جنوب شرق تركيا: "حددنا مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ترتيبات المهمة المستقبلية وما نقبله وما لا نقبله".
وأضاف: "طرحنا هذا الموضوع خلال اجتماعات الناتو وخلال لقائي مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، وأثناء المناقشات بين وفودنا، وسننفذ هذا الإجراء في أفغانستان بأفضل طريقة ممكنة".
أسباب الاندفاع
ويقف وراء الاندفاع التركي وحماسها الشديد نحو مهمة حفظ الأمن في "مطار كابول" وحمايته أسباب عديدة.
وفي هذا الإطار، يقول الدكتور بشير عبدالفتاح، الخبير في الشؤون التركية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن أنقرة تستهدف محاولة التمدد في منطقة وسط آسيا الوسطى، حيث يوجد ثروات من النفط والغاز والموارد الاقتصادية الوفيرة، بما يخدم الطموح التركي لاستعاده المجد العثماني وإقامة دولة عظمى مترامية الأطراف.
وتابع عبدالفتاح: "كما تسعى أنقرة إلى تحسين العلاقات مع الناتو والولايات المتحدة من خلال الاضطلاع بمهمة استراتيجية عقب انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان".
لكن الخبير في الشؤون التركية يرى أن المفاوضات لا تزال مستمرة حتى اللحظة بشأن دور أنقرة لحماية مطار كابول، قائلا: "لا توجد معلومات مؤكدة عن اتفاق نهائي بين الجانبين التركي والأمريكي، لاسيما مع طلب تركيا دعما ماليا ولوجستيا وعسكريا وقوات إضافية، حيث يصل عدد قواتها إلى 500 جندي فقط، وتعترض أيضا دوائر أمريكية على الدور التركي في أفغانستان".
وأكد أن "النجاح سيكون صعبا للغاية بسبب تحديات عديدة أمام تركيا، خاصة أن طالبان تتوسع وتحتل 85% من أراضي أفغانستان".
وحول تداعيات الاتفاق التركي-الأمريكي حال تنفيذه على المنطقة العربية، قال عبدالفتاح إن علاقة أنقرة بالعالم العربي ستتأثر سلبا، حيث إن نظام أردوغان كلما تحسنت علاقاته بالولايات المتحدة والغرب كلما شعر بالاستقواء، وأنه غير مضطر لتقديم تنازلات من أجل تطبيع العلاقات.
وأوضح: "إذا تحسنت علاقات تركيا مع الولايات المتحدة على خلفية حماية مطار كابول، سيستمر الجفاء الحالي بين تركيا من جهة، ومصر والعالم العربي من جهة ثانية".
وبدوره، قال جواد غوك المحلل السياسي التركي في حديث خاص لـ"العين الإخبارية" إن الحكومة التركية تسعى إلى تحسين العلاقات مع الإدارة الأمريكية، خاصة أن أزمة الثقة بين الجانبين لا تزال موجودة، بعد تدهور العلاقات منذ عام 2016.
كما لفت إلى أن لقاء الرئيس التركي بنظيره الأمريكي مؤخرا، حمل تأكيدات من الأول بأنه البديل المناسب للوجود الأمريكي في أفغانستان، خاصة في حفظ وحماية مطار كابول.
وعقب اجتماع بايدن وأردوغان على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في يونيو/حزيران في بروكسل، رحبت واشنطن بـ"التزام أنقرة الواضح" بلعب "دور رئيسي" في تأمين مطار كابول.
كما أبرز غوك أن تحرك أنقرة نحو حماية "مطار كابول" رسالة إلى الداخل التركي بتصوير النظام الحالي بأنه يحمي شعبا مسلما مظلوما مضطهدا هو الشعب الأفغاني، وأن واشنطن رحلت ونحن من سيتولى حفظ الأمن في مطار كابول.
اختراق تركي
بدوره، يرى المحلل السياسي التركي والباحث في العلاقات الدولية طه عودة أوغلو أن الدبلوماسية تسارعت بين أنقرة وواشنطن خلال الأيام الأخيرة، حيث أعلن الرئيس التركي أن أنقرة وواشنطن اتفقتا على ترتيب تولي قوات تركية تأمين مطار كابول بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.
وفي قراءته للخطوة التركية، يرى عودة أوغلو أن خطوة انسحاب أمريكا فرصة ثمينة سنحت لتركيا لوضع موطئ قدم لها على الساحة الأفغانية القريبة من جمهوريات آسيا الوسطى، ساحة التنافس التركي مع روسيا وإيران.
واستدرك المحلل السياسي التركي، قائلا "لكن أمام الرهانات التركية تساؤلات عدة تطرح في ظل التعقيدات الميدانية بعد سيطرت حركة طالبان على معظم الأراضي هناك، علاوة على التشابكات الإقليمية والدولية هناك التي تضع تركيا أمام مخاطر جمة في تعقيدات المشكلة الأفغانية المعقدة أصلا".
ويقول مراقبون إنه إذا ما نجحت تركيا في تأمين حضورها أمنيا وسياسيا في ملف حماية مطار كابول، فسوف يفتح لها الطريق للعب دور أكبر في أفغانستان والمنطقة.
بيد أن هؤلاء المراقبين أكدوا أيضا أن الأمر لن يكون سهلا مع النفوذ الإيراني في البلاد، حيث ستعمل الأخيرة على محاولة ملء الفراغ الناجم عن الخروج الأمريكي.
ومطار كابول هو طريق الخروج الرئيسي للدبلوماسيين الغربيين وعمال الإغاثة، والخوف من وقوعه في أيدي طالبان إثر انسحاب القوات الأجنبية، يدفع الناتو للبحث عن حل سريع.
ومنذ عام 2001، نشرت تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي، مئات العسكريين في أفغانستان.
وأعلن بايدن في خطاب ألقاه، الخميس، أن انسحاب الجيش الأمريكي من أفغانستان سينتهي في 31 أغسطس/آب، بعد ما يقرب من 20 عاما من الوجود هناك، معتبرا أن سيطرة طالبان على البلاد ليست "أمرا محتوما".
لكن بعد ساعات من خطابه، أعلنت حركة طالبان، الجمعة، أنها سيطرت على إسلام قلعة، أهم معبر حدودي أفغاني مع إيران، وأنها باتت تسيطر على 85% من الأراضي الأفغانية.