إن أسوأ ما في هذه الفوضى التي تعصف بليبيا اليوم، هو عدم اكتراث القوى الغربية، التي يُفترض بها أن تُساعد الليبيين
شرعت كل من قطر وتركيا في تطبيق مخططهما الخاص في أفريقيا منذ سنوات، وهو المخطط الذي لن تتخليا عنه حتى بعد خسارة أوراق التدخل في الشؤون الداخلية لمصر والسودان وتونس والجزائر، وبالموازاة مع ذلك، تواصل المنظمات التابعة لهما "قطر الخيرية، نكتار وتيكا" القيام بعملها، وهو ما يسمح لنا بتوقّع طبيعة نواياهما والبُلدان المستهدفة. وتصل مخالبهما، في الوقت الحالي، إلى ما لا يقل عن نصف الدول الأفريقية، بما في ذلك جميع البلدان المجاورة لليبيا.
ويتجلّى التدخل الترك-قطري في غرب أفريقيا في وصول الأسلحة التركية إلى بوكو حرام من ليبيا عبر النيجر، كما لا تُعدّ علاقات قطر بكل الجماعات الإرهابية والمتمردة في الساحل مفاجأة للمحللين. وتُعاني تشاد مثلاً من تواجد تنظيم داعش في غرب أفريقيا وبوكو حرام على حدودها الجنوبية. أما في الشمال، على طول الحدود مع ليبيا، توجد مجموعة متمردة يعيش زعيمها في العاصمة القطرية الدوحة. وحاولت هذه الجماعة الوصول إلى العاصمة التشادية عام 2019. ولولا تدخل الطيران الفرنسي وتحييده 250 متمرداً، لاستطاعوا الاستيلاء على العاصمة.
وصرّح خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، التابع لحكومة السراج، المدعومة من أردوغان، أن لديه 6000 مقاتل لتحرير شرق ليبيا. وبالنظر إلى مساعي أردوغان الحثيثة للتوسّع، لا يمكن استبعاد توجيه هؤلاء الإرهابيين إلى مصر أو السودان أو تشاد أو النيجر أو الجزائر أو تونس، بدلاً من الشرق الليبي. وإلى حد الآن، جنّد أردوغان حوالي 10000 من المرتزقة الذين تم نقلهم من سوريا إلى ليبيا.
ولو توقفنا للتفكير لحظةً واحدة حول الدمار والخراب الذي يُمكن أن يلحق بدولة تشاد بعد وصول 5000 مقاتل - أكثر بـ20 مرة من حادثة عام 2019- من الشمال، لأُصِبنا بالذهول من هول الكارثة، من الصعب جداً التكهّن بكيفية نهاية الصراع الليبي وما إذا كان الإرهابيون سيعودون إلى بلدانهم أم لا. ومن غير المستغرب أن يوافق هؤلاء على القتال في صفوف متمردي بعض الدول، بما في ذلك الانضمام للقاعدة أو داعش في أفريقيا.
يتجلّى التدخل الترك-قطري في غرب أفريقيا في وصول الأسلحة التركية إلى بوكو حرام من ليبيا عبر النيجر.
وقد وجد أردوغان حلاً لتفادي الصدام مع المعارضة التركية الرافضة لمقتل الجنود الأتراك خارج بلادهم. ولذلك، قام بتوظيف المرتزقة. وأطلق الاتحاد الأوروبي عملية غير مجدية لمراقبة وصول الأسلحة إلى ليبيا. وفي غضون ذلك، دخل ما لا يقل عن 10000 مرتزق خلال ستة أشهر إلى الأراضي الليبية. وما لم يتم التحرّك بسرعة، ستنتهي الحرب في ليبيا قريباً، ولكن لصالح تركيا.
ويبدو أنه لا أحد يريد الانتباه إلى أن قطر وتركيا تُشيّدان قاعدة في ليبيا متاخمة للحدود التونسية وعلى مرمى حجر من إيطاليا ومالطا. وإن التجهيزات العسكرية المرسلة إلى ليبيا - والتي يتغاضى الجميع عنها - مفيدة أيضاً لجنوب أوروبا وبالطبع لأفريقيا. وهكذا، يُصبح في مقدور تركيا وقطر التحكم في مفتاح الهجرة إلى أوروبا من ليبيا إلى تركيا، كما يُسمح لأردوغان بالتحرّك بكل حرية في الشمال السوري، وبالتالي تهريب المرتزقة والإرهابيين بين سوريا وليبيا متى وكيف شاء.
إن أسوأ ما في هذه الفوضى التي تعصف بليبيا اليوم، هو عدم اكتراث القوى الغربية، التي يُفترض بها أن تُساعد الليبيين. فمن جهة، تقاعس الاتحاد الأوروبي وإجراءاته غير المجدية، ودفاع الناتو عن المعسكر الخطأ الذي يقوده الإرهابيون. ومن ناحية أخرى، موقف الولايات المتحدة المؤيد للجانب الإرهابي ومواجتها لروسيا التي تبدو وكأنها الطرف الوحيد الذي أدرك مناورات الحلف الترك-قطري الهادفة ليس فقط لزعزعة الاستقرار في بلدان المغرب العربي، بل وإلى استهداف كل الدول المجاورة لليبيا أيضاً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة