تركيا مع محور الاعتدال العربي.. لا صوت يعلو فوق "التقارب والوفاق"
أعاد النظام التركي ضبط نبرته تجاه دول محور الاعتدال العربي، فلا يعلو حديث الآن فوق التقارب والوفاق، وطي صفحة الخلاف.
تطورات متسارعة، وتصريحات إيجابية، شهدتها العلاقة بين أنقرة ودول لطالما خاصمتها وعادتها طوال السنوات الماضية، كان أبرزها انطلاق الجولة الثانية من المحادثات الاستكشافية بين تركيا ومصر اليوم الثلاثاء.
وتأتي الجولة الثانية من المحادثات بعد نحو 4 أشهر من جولة أولى، ولكن هذه المرة عبر وفد مصري رفيع المستوى في زيارة رسمية لأنقرة هي الأولى إلى تركيا منذ 8 أعوام، بعد تدهور العلاقات بين البلدين في أعقاب سقوط حكم تنظيم الإخوان في يوليو/تموز 2013، وإيواء أنقرة عددا كبيرا من عناصر التنظيم.
ولا يبدو أن تحسن العلاقات سيكون مقصورا على القاهرة، فعلاقات أنقرة وعواصم عربية وخليجية أخرى في طريقها لتأخذ منحى جديد نحو التحسن، وهو ما ظهر جليا اليوم في تصريحات وزير الخارجية التركي.
وفي وقت سابق اليوم، قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، إن مسيرة التطبيع مع مصر مستمرة، ووضعنا لأجل ذلك خارطة طريق، واليوم نستضيف في أنقرة وفدا مصريا، وإن توصلنا إلى اتفاق سنقدم على الخطوات اللازمة لتعيين السفراء في كلا البلدين.
وبالإضافة إلى مصر، أكد تشاووش أوغلو أن حالة من الزخم الإيجابي تسيطر حاليا على علاقات بلاده مع الإمارات، متوقعا أن تعود العلاقات الإماراتية التركية إلى مسارها إذا استمر هذا الزخم الحالي.
وحول العلاقات بين أنقرة والرياض، أعرب الوزير التركي عن ثقته بأن هذه العلاقات ستتحسن أكثر، مشيرا إلى وجود خطوات يجب الإقدام عليها في هذا الشأن.
وإلى جانب التصريحات الإيجابية، بحث وزيرا خارجية البحرين الدكتور عبداللطيف الزياني وتركيا اليوم أيضا، خلال اتصال هاتفي، سبل تعزيز العلاقات الثنائية.
واستعرض الجانبان علاقات البلدين وما تتسم به من تطور ونمو، وسبل تعزيز علاقات الصداقة والتعاون المشترك والارتقاء بها إلى مستويات أشمل، بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين والشعبين الصديقين.
خبراء عرب، من الإمارات ومصر والبحرين، أبدوا تفاؤلا بتغيير سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في المنطقة، وعودتها لمربع الوفاق والتقارب مع دول الاعتدال العربي، مشيرين في الوقت نفسه إلى أن النظام التركي أدرك أن الخيار أفضل له تعزيز العلاقات مع دول المنطقة.
أسباب عدة دفعت أنقرة لمحاولة تصفير أخطائها ومراجعة سياساتها الخارجية، وفق مراقبين، من بينها "الضغوط الاقتصادية، والرهان الخاطىء على جماعة الإخوان الإرهابية، إلى جانب الرغبة في إنهاء الملفات الجيوسياسية العالقة".
خطأ الرهان
المحلل السياسي الإماراتي، عبدالخالق عبدالله، عزا مراجعة تركيا لسياساتها إلى "ظروفها الاقتصادية الصعبة"، مشيرا إلى أن هذه المراجعة ظهرت في "التراجع عن مواقفها التي تسببت في إحداث شرخ كبير في علاقاتها مع عدة دول عربية مهمة في مقدمتها مصر والسعودية والإمارات خلال عقد كامل".
وفي تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية" أضاف عبدالله أنه "خلال هذا العقد راهنت تركيا على جماعة الإخوان لتوسيع هيمنتها ونفوذها. واليوم تكتشف خطأ رهانها على الإخوان".
وحول مستقبل هذه المراجعة التركية، يقول المحلل السياسي الإماراتي "هذه المراجعة إن كانت صادقة فإنها إيجابية وتصب في صالح محور الاستقرار في المنطقة، من هنا يأتي استعداد دول محور الاستقرار والاعتدال للتجاوب مع المواقف التركية الجديدة ودعمها".
وتابع: "تركيا قوة إقليمية مهمة وإذا كانت ترغب في إعادة عقارب الساعة لما قبل 2011 ولمرحلة ما قبل ما يسمى بالربيع العربي والتصالح مع دول محور الاعتدال العربي بدلًا من الرهان على قوى الفوضى فالجميع مستفيد.. وهذا سبب من أسباب تسارع الوفاق الإماراتي التركي".
وشدد عبدالله على أن الإمارات تراهن على صدق نوايا الرئيس أردوغان. وإذا اتضح عكس ذلك فلكل حادث حديث.
وفي 31 أغسطس/ آب الماضي، بحث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اتصال هاتفي العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية.
وقبل ذلك بنحو أسبوعين، استقبل أردوغان وفدا إماراتيا رفيع المستوى برئاسة الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني الإماراتي، في المجمع الرئاسي بأنقرة، أعقبها تصريحات إيجابية.
ارتباك تركي
على الجانب الآخر، يصف الباحث في شؤون الجماعات الإرهابية سامح إسماعيل المشهد التركي بأنه "مرتبك وملتبس" حيث يحاول أردوغان أن يظهر بمظهر القوي ويوهم الآخرين بقدرته على الإمساك بزمام الأمور إلا أنه الأمور أفلتت منه تماما سواء في منطقة شرق المتوسط أو حتى في المشهد الليبي.
وفي تصريحات لـ"العين الإخبارية"، يضيف إسماعيل: تركيا تسعى إلى تنسيق الأدوار مع القوى الإقليمية المعنية مثل مصر ودول الخليج أو بالتحديد محور الإمارات السعودية.
وفي شيء من التفصيل يكمل: أردوغان يحاول استمالة مصر تجاهه نتيجة لأزمته مع اليونان في شرق المتوسط، فيبحث عن أي اتفاق يضمن له تنفيذ ما وقعه من اتفاقيات في ليبيا لأنها جميعا تصبح حبرا على ورق ما لم تأخذ الصيغة الإقليمية قبل التسوية السياسية.
سبب آخر، اتفق فيه إسماعيل مع بقية المراقبين وهو أن أردوغان "يحاول الوصول إلى علاقة طيبة مع القاهرة يمكن من خلالها استغناء عن ورقة الإخوان التي أصبحت محترقة تماما لأنها لم تؤد دورها الوظيفي كما أراد".
الخيار الأفضل
أفضل خيارات النظام التركي، يوضحه المحلل السياسي البحريني، أمجد طه، الرئيس الإقليمي للمركز البريطاني لدراسات الشرق الأوسط، قائلا: تركيا رأت أن الإخوان تراجعوا بشكل كبير في مصر وكذلك في تونس وهو ما كان يعول عليه نظام أردوغان وبالتالي لم يعد يملك أوراقا في المنطقة ولذا أفضل خيار له خضوعه للشروط العربية والتخلي عن الهاربين من العدالة.
ويكشف "طه"، نقلا عن مصادر مطلعة، إعلان تركيا استعدادها لتسليم مطلوبين للعدالة وبشكل قانوني، موضحا أنه بعد ذلك ستتسم المرحلة القادمة بالتطور والنمو ووضع سبل لتعزيز علاقات التعاون والارتقاء بها لمستويات أشمل.
وأضاف: هذه التطورات التي نشهدها تأتي بعد الكثير من اللقاءات والنقاشات على مستويات عدة، تخللها شروط عربية وضعتها كل من مصر والسعودية والإمارات والبحرين الأمر الذي أثمر على ما يبدو بالنظر إلى التغييرات التي اعتمدتها أنقرة في سياستها الخارجية، بالتركيز على أولوية تطوير العلاقات الاقتصادية والمساهمة في مكافحة الإرهاب.
ويرى المحلل السياسي البحريني أن تركيا أدركت أن الاستمرار في دعم هذه المنظمات المتطرفة مثل الإخوان لا يثمر ولن يعود على تركيا إلا بالمزيد من العداء تجاه أنقرة وبالتالي فإن القرار الأفضل والمكسب للجميع أن تتخلى تركيا عن دعم هذه المنظمات الإرهابية والمتطرفة.
تصفير الملفات الجيوسياسية
بٌعد آخر، لفتت إليه الكاتبة البحرينية عهدية السيد، في مراجعة تركيا، قائلة لـ"العين الإخبارية": أنقرة تحاول تصفير الملفات الجيوسياسية مع اقتراب الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2023 ولا يمكن الاستمرار في السياسات المعادية مع دول الاعتدال العربي خصوصا السعودية والإمارات ومصر بالإضافة لمحيط تركيا المجاور وهما اليونان وقبرص
كما تشير أيضا إلى أن "الاقتصاد التركي وصل لأسوأ حالة وازدادت سوءا مع جائحة كورونا الأمر الذي لن يساعد الرئيس في الانتخابات القادمة ولذلك تراجع تركيا سياستها الخارجية عبر نظرة براغماتية للتركيز على الاقتصاد ولذلك انخفض دعمها لأنشطة الإخوان كما أوقفت وسائل إعلامية إخوانية تبث من أراضيها في محاولة منها لكسب ود الإمارات ومصر والسعودية.
وتعتقد المحللة السياسية البحرينية أن التحركات الأخيرة الإماراتية والمصرية ما هي إلا تتويج لهذه الحالة الإيجابية والتي يبدو سينتج عنها تسليم مطلوبين لدى تركيا ومن بعدها انتفتاح اقتصادي واسع.
ونوهت بنجاح دول الاعتدال في التنسيق فيما بينها خلال التفاوض مع تركيا حيث ربطت المسار بالمفاوضات المصرية التركية ومن بعده بدأت تحركات السعودية وتبعتها تحركات الإمارات في نفس المجال.
ومؤخرا، بدأت تركيا والتي حتى وقت قريب كان يصفها مراقبون بـ"الجار المرتبك"،في استكمال خطواتها في الانفتاح على الدول الخليجية والعربية ذات الثقل السياسي والاقتصادي، ضمن سياق توافقي إقليمي عام لتبريد التوترات في المنطقة.
لكن لا يزال قطار التطبيع في انتظار خطوات تركية عملية لقرع أجراس مغادرة محطة الجمود التي ظلت العلاقات رهينة لها خلال العقد الماضي.
aXA6IDMuMTQ1LjE3Ni4yMjgg جزيرة ام اند امز