لماذا تبني تركيا جدارًا على حدودها مع إيران وسوريا؟
تواصل تركيا بناء جدران أمنية تغطي مئات الكيلومترات من حدودها مع إيران وسوريا، في نهج متشدد اتعبته كنتيجة لسياساتها الإقليمية العدائية.
يُظهر بناء هذه الجدران في وقت حاول ملايين المهاجرين في السنوات الأخيرة الوصول إلى أوروبا عن طريق عبور الحدود التركية.
لكن تحرك أنقرة إلى جانب عملياتها العسكرية الخارجية ضد المسلحين الأكراد، يوضح أن البلاد قد اتخذت طريقا مختلفا مع إعطاء الأولوية للأمن.
الجدران الحدودية
في تصريح سابق له نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قال وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، "إنه تم الانتهاء من بناء جدار أمني يغطي معظم حدود البلاد التي يبلغ طولها 911 كيلومتراً مع سوريا".
وقد بدأ بناء الجدار الحدودي في يناير/ كانون الثاني 2016. وفقًا للمسؤولين كان الغرض من الجدار هو تعزيز الأمن ومحاربة التهريب والحد من الهجرة غير الشرعية، وقررت أنقرة بناء الجدار بعد سنوات من موجات اللاجئين السوريين الفارين من الحرب الأهلية.
وبحسب صحيفة الصباح التي ترعاها الحكومة وتدعم رجب طيب أدروغان، تم استخدام كتل خرسانية بعرض 2 متر وارتفاع 3 أمتار وتركيب الأسلاك الشائكة عليها.
تقرير آخر لهيئة الإذاعة البريطانية باللغة الفارسية "بي بي سي"، أكد وجود أبراج مراقبة على طول هذا الجدار، والتي تم بناؤها على مسافة 300 متر من بعضها البعض.
كما أن الجدار مجهز بـ "أنظمة مراقبة عن قرب، وكاميرات حرارية، ورادارات مراقبة أرضية، وأنظمة أسلحة للتحكم عن بعد، ومراكز قيادة وتحكم، وأنظمة تصوير خطية، وأجهزة استشعار زلزالية وصوتية".
وتردد وقتها إن الجدار الحدودي التركي السوري الذي يبلغ طوله 832 كيلومترًا هو ثالث أطول جدار في العالم بعد سور الصين العظيم والحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.
وما بين هذا وذاك، يوشك مشروع تركيا لبناء جدار حدودي مع إيران على الانتهاء، ليغطي أكثر من 200 كم من 560 كم من الحدود بين البلدين، وبحسب التقارير، فقد بدأ بناء هذا الجدار منذ عام 2017.
ووفقا لوسائل إعلام تركية، كان الغرض من بناء هذا الجدار هو محاربة تهريب البضائع والهجرة غير الشرعية، وكذلك منع حركة قوات حزب العمال الكردستاني بين البلدين.
في غضون ذلك، وردت أنباء عن تزايد المراقبة التركية لحدودها الجبلية مع العراق وانتشار قوات في تلك المناطق وسط عمليات عسكرية في شمال البلاد.
لماذا الآن؟
في السنوات الأولى من الحرب الأهلية السورية، اتبعت أنقرة سياسة حدود مفتوحة سمحت لملايين السوريين بعبور الحدود إلى تركيا. ووفقًا للأمم المتحدة، فر أكثر من 3.6 مليون سوري من الحرب إلى تركيا، التي تضم أكبر عدد من اللاجئين.
ومع ذلك، تظهر استطلاعات الرأي تزايد استياء الرأي العام من المهاجرين السوريين، وفي السنوات الأخيرة تبنت أنقرة سياسة "عدم التسامح" مع الموجات الجديدة من طالبي اللجوء.
ونتيجة هذا النهج، ظل عدد المهاجرين السوريين الخاضعين لـ "الحماية المؤقتة" في تركيا مستقرًا منذ عام 2017.
حتى أن تركيا أبقت حدودها مغلقة خلال الحملة العسكرية السورية الروسية في إدلب عام 2020.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن أنقرة لم تعد مستعدة بعد الآن لنقل موجة جديدة من المهاجرين بمفردها، وإنهم بدأوا في بناء منازل من الطوب للسوريين بدلا من ذلك.
واتهمت جماعات حقوق الإنسان القوات التركية بصد اللاجئين السوريين وقتلهم. وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان في آذار/ مارس الماضي، قُتل 465 مدنياً سورياً برصاص شرطة الحدود التركية منذ عام 2011.
وكان المد المتزايد للهجرة من آسيا الوسطى سببًا آخر لتركيا لبناء جدار أمني على حدودها مع إيران. ويحاول اللاجئون الأفغان الذين يفرون من بلادهم بسبب عدم الاستقرار وانعدام الأمن دخول تركيا عبر إيران.
وقال ماتين كوراباتير، مدير مركز أبحاث اللاجئين والهجرة في أنقرة، لموقع بي بي سي الفارسي: "كانت هذه الحدود هي الطريقة الوحيدة للعديد من اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين لدخول تركيا منذ سنوات".
من جانبها، ذكرت شبكة "هابيتات" التي تديرها الدولة في كانون الثاني/ يناير الماضي أن المسؤولين الأتراك راضون عن الأسوار الحدودية مع إيران، قائلين إنهم ساعدوا "بشكل كبير" في "تقليص" مرور المهاجرين غير الشرعيين والتهريب.
لكن كوراباتير يقول: "إنه منذ أن لم يكتمل بناء هذه الجدران، لا يزال بعض المهاجرين يدخلون تركيا من الحدود الإيرانية".
عمل ضد الأكراد؟
يعتقد بعض الأكراد أن بناء الجدران الحدودية هو جزء من جهود تركيا لتعطيل الوحدة العابرة للحدود، وتوسيع الفجوة بين هذه المجتمعات.
والمناطق الكردية في تركيا وسوريا وإيران والعراق متجاورة. وقد عمل بعض النشطاء الأكراد منذ فترة طويلة بتوحيد الأربعة كهدف من خلال إزالة الحدود المرسومة بينهم بعد الحرب العالمية الأولى.
وحذر مركز مخابرات روجافا في مدينة القامشلي الكردية عام 2019 من أن الجدار الحدودي السوري تسبب في "انقسامات" بين المجتمعات الكردية.
ووصف رمضان آراس، أستاذ علم الاجتماع في جامعة ابن خلدون باسطنبول (في كتابه الجدار.. بناء وتدمير الحدود التركية السورية)، الجدار الحدودي السوري بأنه "هيكل ضار" للسكان المحليين.
وقال آراس: "تعمل الجدران الأمنية التركية كآلية حاجز من خلال قطع الشبكات الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والروابط بين المجتمعات الكردية على جانبي الجدار".
وفي السنوات الأخيرة، شنت تركيا حملات عسكرية عبر الحدود ضد القوات التي يقودها الأكراد في سوريا واستهدفت مرارًا مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
ثم في يونيو/حزيران 2017، أعرب رجب طيب أردوغان عن رضاه عن الأسوار الحدودية الجديدة في البلاد، واصفًا إياها بمفتاح إجراءات "مكافحة الإرهاب".
وقال: "نحن نبني جدرانًا قوية للغاية لمنع الإرهابيين من الدخول والخروج ونقل الأسلحة، وإذا لزم الأمر، سنفعل الشيء نفسه على حدودنا مع العراق وإيران".
وأكد أمبات مولو، الباحث في شؤون الأمن والإرهاب، لصحيفة "يني أكيت" التركية، التابعة لأدوغان، أن "هذه الجدران ستمنع بشكل كامل تسلل قوات حزب العمال الكردستاني، الذين تلطخت أيديهم بدماء الأطفال، والمنظمات الإرهابية الأخرى، وستمنع جميع أشكال التهريب والهجرة، وسيتم اعتقال المهاجرين غير الشرعيين".
لكن يبدو أن تركيا المجاورة لليونان تحذو حذوها، حيث تخطط لبناء جدار أمني عالي التقنية على طول حدودها البرية التي يبلغ طولها 200 كيلومتر مع تركيا لمنع المهاجرين غير الشرعيين من الدخول في مشروع تم الانتهاء منه للتو.
وبحسب ما ورد تم تجهيز الجدار الحدودي المتقدم بكاميرات بعيدة المدى وطائرات بدون طيار وأنظمة رؤية ليلية و"مدافع صوتية" عالية التردد وأجهزة استشعار يتحكم فيها الذكاء الاصطناعي.
وقررت اليونان بناء الجدار بعد سنوات من الهجرة غير الشرعية من الحدود التركية. وفي فبراير/شباط 2020، فتحت أنقرة حدودها أمام المهاجرين الذين يعبرون إلى تركيا عبر اليونان، لكن أثينا أبقت حدودها مغلقة إلى حد كبير.
واتهمت جماعات حقوق الإنسان حرس الحدود اليونانيين بصد المهاجرين واستخدام العنف ضدهم. ويقولون إن شرطة الحدود اليونانية تطلق النار على المهاجرين أو تقتلهم أو تتركهم في البحر ليغرقوا.
لكن هذا الجدار الحدودي أثار إشادة وسائل الإعلام اليونانية المحافظة والقومية بما في ذلك صحيفة "بروتو تيما" الشعبية التي كتبت "قلاع منيعة" على الحائط.
وبالإضافة إلى ذلك، غطت وسائل الإعلام التركية أيضًا موضوع الجدار الحدودي اليوناني؛ حيث أشارت شبكة مسرح هابر إلى الجدار باسم "جدار العار"، مشيرة إلى أن جزءًا من التكنولوجيا المستخدمة في الجدار ممول من الاتحاد الأوروبي.
وأدت رغبة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في الحد من تدفق المهاجرين إلى زيادة التمويل والسلطة لوكالة الحدود الأوروبية (فرانتاكس) في السنوات الأخيرة.
كما وقعت بروكسل اتفاقية مع أنقرة في مارس/أذار 2016، تعهدت بموجبها تركيا بمنع طالبي اللجوء من العبور إلى أوروبا مقابل تمويل من الاتحاد الأوروبي.
ويقول كوراباتير، مدير مركز أبحاث اللاجئين والهجرة في أنقرة، إن تركيا أنفقت جزءًا من التمويل على بناء جدرانها الحدودية.
موجة جديدة من المهاجرين
وتحاول تركيا بناء جدران حدودية مع انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان وتقدم طالبان إلى البلاد، مع ورود تقارير عن فرار مئات اللاجئين الأفغان يوميًا عبر إيران إلى الحدود التركية.
ويقول كوراباتير إن التطورات في أفغانستان قد تؤدي إلى "زيادة الجهود لعبور الحدود".
ومن المرجح أن يشير هاشتاغ "أغلقوا الحدود"، الذي انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي في 12 يوليو / تموز الجاري بعد تقارير عن تدفق اللاجئين الأفغان لتركيا، إلى الدعم الشعبي لجهود الحكومة.
لكن نائب وزير الداخلية التركي إسماعيل تشاتكلي نفى التقارير، مؤكداً مشروع بناء جدار أمني على الحدود مع إيران.
وقال "إنه حتى اكتمال بناء الأسوار الحدودية، ستستخدم أنقرة جميع الوسائل لمكافحة الهجرة غير الشرعية، بما في ذلك استخدام القوات الخاصة".
ومع هذه التفسيرات، من المرجح أن يستمر موقف تركيا المتشدد بشأن الأمن والهجرة في السنوات المقبلة.
aXA6IDMuMTQ5LjIzMi44NyA= جزيرة ام اند امز