أردوغان والجماعات الإرهابية.. شراكة على دماء الشعوب
العلاقة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وجماعات الإسلام السياسي ترتكز على شراكة استراتيجية تهدف إلى تفكيك الدول العربية.
اعتمد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على جماعات الإسلام السياسي لتحقيق مشروع "تفكيك" الدول العربية في المنطقة، عبر المتاجرة بالقضية الفلسطينية، إضافة إلى دعم الجماعات الإرهابية تحت مزاعم دعم المعارضة السياسية.
فالعلاقة بين الرئيس التركي وجماعات الإسلام السياسي ترتكز على شراكة استراتيجية، فهذه الجماعات وأنصارها دعموا الصعود السياسي لأردوغان منذ أن تولى رئاسة الوزراء عام 2003، ليعيد تجربة حكم الإخونجية في تركيا، الذي بدأ مع نجم الدين أربكان، مؤسس حزب الرفاة في 1983، والذي تولى رئاسة الحكومة في 1996.
أردوغان.. سفير الفوضى الخلاقة:
يعتبر أردوغان الداعم الرئيس للفوضى الخلاقة في المنطقة العربية والشرق الأوسط، من خلال الجماعات الإرهابية التي وجدت في تركيا ملاذاً آمناً وغطاءً إعلامياً وسياسياً، يوفر لها مظلة زائفة تسمى "المعارضة السياسية".
وهنا يتبادر إلى الذهن تساؤلاً مهماً حول أسباب هذا التوجه، أو بمعنى أدق؛ ما هو الهدف الاستراتيجي من وراء هذه السياسة واستخدامه لجماعات الإسلام السياسي.
الإجابة طرحها أردوغان بنفسه في العديد من المناسبات؛ البداية كانت مع كلمته بالبرلمان التركي عام 2009، عندما قال "أنا هنا أتحدث باعتباري حفيداً للدولة العثمانية".
ثم كرر الإجابة أيضاً في تصريح آخر، لكن عام 2014 أثناء افتتاح مشروعات خدمية بإسطنبول قال "لا يمكنكم القول ما شأننا بالبوسنة والهرسك، ومصر، وفلسطين، وسوريا، والعراق، فإذا كنا دولة تركية أسست على ميراث الدولتين السلجوقية والعثمانية" في إشارة إلى حقه في التدخل بشؤون الدول التي كانت تقبح تحت احتلال الإمبراطورية العثمانية.
هذه النزعة الاستعمارية تصاعدت وتيرتها من خلال الآلة الإعلامية التركية والإخونجية أيضاً، بالترويج لوهم الخلافة العثمانية، والتي زادت نزعتها عندما استعرض حرس شرف تركي أثناء استقباله رئيس أذربيجان في 15 يناير 2015، يرتدون ملابس جنود تعود للعهد العثماني الاستعماري.
الشواهد السابقة، تطرح أسباب تحالف الرئيس التركي مع جماعات الإسلام السياسي، حيث إن الأخيرة تروج لأجندة مماثلة تدعو إلى إقامة الخلافة، ووجدت في حفيد المحتلين العثمانيين، مدخلاً مناسباً لتحقيق أهدافهم، وهي الأجندة التي لا تعترف بالدولة الوطنية، بل تعتمد على الدين ومزاعم التكليف الإلهي للتنكيل بالشعوب.
من هنا جاءت فكرة هدم الدول العربية وتفكيكها حتى يسهل السيطرة عليها عبر استخدام الدين ومزاعم الخلافة، وهو ما تطلب إسقاط الأنظمة السياسية عبر دعم الجماعات الإرهابية بالمال والسلاح.
الإخوان.. القوة الناعمة لأردوغان:
استخدم الرئيس التركي جماعة الإخوان الإرهابية التي ينتمي إليها، في الترويج له كزعيم يسعى لحماية المقدسات العربية والإسلامية، وجاءت البداية في يناير 2009، عندما انسحب أردوغان من إحدى جلسات منتدى دافوس بعد أن اشتبك لفظياً مع شيمون بيريز رئيس دولة الاحتلال الإسرائيلي آنذاك.
ورغم أن الجلسة كانت تناقش سياسات الاحتلال ضد قطاع غزة في فلسطين، إلا أن أول تصريح للرئيس التركي عقب انسحابه، كشف عن السبب الحقيقي لقرار انسحابه، حيث قال إن "الرئيس الإسرائيلي.. كان يتحدث إلى رئيس الوزراء التركي، أنا لست زعيم قبيلة، وكان يتعيّن عليه مخاطبتي بشكل لائق".
لكنه لم يلبث أن استخدم هذا الموقف أثناء تنظيم استقبال شعبي له في مطار إسطنبول، وزعم أنه أنسحب بسبب تبرير رئيس الاحتلال الإسرائيلي لعمليات القتل الممنهج ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
من هنا انطلقت حملات الترويج للرئيس التركي بالمتاجرة في الدماء الفلسطينية والقضية العربية المحورية، والتي دعمتها قناة الجزيرة القطرية، المنصة الإعلامية الأساسية للفوضى الخلاقة والجماعات الإرهابية، وتحديداً جماعة الإخوان.
جماعة الإخوان الإرهابية بدورها، كانت قد بدأت حملة دعم لأردوغان شعبياً وإعلامياً، واستغلت حادث السفينة التركية مرمة في عام 2010، للتأكيد على أنه شخصية "البطل المنقذ" للمقدسات العربية والإسلامية، والخليفة المنتظر، بحسب تصورهم.
وبعد أحداث الربيع العربي منذ عام 2011، أطلق الرئيس التركي دعماً غير محدود لجماعة الإخوان في مصر وتونس، إضافة إلى سوريا وليبيا، التي عملت على تشكيل جماعات مسلحة للسيطرة على البلاد بالقوة وذلك منذ 2012.
حتى أنه في نوفمبر 2011 عندما زار مصر رسمياً، نزل في ضيافة الإخوان، ودعا إلى كتابة دستور قائم على العلمانية التركية التي سمحت بصعوده للسلطة واستمراره بها حتى اللحظة، مما تسبب في توتر وهمي بين الجانبين، ما لبث أن خفت وتراجعت بعد احتواء هذه الدعوة الإردوغانية حالة الغضب في الشارع المصري من جماعة الإخوان، وهو ما سمح لهم بالصعود إلى السلطة.
ولكن بعد ثورة 30 يونيو التي أطاحت بحكم الجماعة الإرهابية من مصر، فتحت تركيا أبوابها أمام قياداتهم الهاربة، وقدمت لهم دعماً مادياً ولوجيستياً لإسقاط الدولة المصرية، حيث تم تدشين القنوات الفضائية والمنصات الإعلامية للإخوان في تركيا منذ ذلك الوقت.
الإخوان ورد الجميل لسفير الفوضى الخلاقة
في 15 يوليو 2016، حان للإخوان رد الجميل للرئيس التركي، وهو تاريخ محاولة الانقلاب الفاشلة و"الغامضة" التي نفذتها القوات الجوية التركية.
فقد عملت قيادات الإخوان وكوادرها على الحشد الشعبي دعماً لأردوغان، ونظموا العديد من اللجان الإلكترونية الداعمة لنظامه، مما أسهم في إظهاره كبطل شعبي تعرض لمؤامرة لإسقاط تركيا، وهو ما أسهم في استمرار سياساته الباطشة والقمعية ضد المعارضة، التي طالت الآلاف من المدنيين والموظفين وضباط الجيش والقضاة.
وبنفس منطق واستراتيجية دعم الإخونجية للرئيس التركي، سارعت الجماعة الإرهابية في يونيو 2016 بالدفاع عن النظام التركي، بعد قرار عودة العلاقات التركية الإسرائيلية، وتطبيعها بشكل كامل، حيث زعمت أنه جاء لنصرة الشعب الفلسطيني.
جماعة الإخوان الإرهابية، حاولت في بيانها نفي صفة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، والتغطية على العلاقات الاقتصادية المميزة بين الجانبين، وزعمت أنه "جهد لفك الحصار عن غزة"، بل زادت من الشعر بيت بتطلعها إلى "مزيد من العمل من أجل إنهاء الحصار بشكل كامل، واسترداد جميع الحقوق الفلسطينية"، بحسب قولهم.
جريدة "زمان" التركية فندت في تقرير لها هذا الزيف الإخونجي، وقالت إن عودة العلاقات مع تركيا تضمن فقط إرسال 10 آلاف طن مساعدات إلى غزة عبر ميناء أشدود، وهو ما ينفي صفة كسر الحصار.
أردوغان.. سلطان الجماعات الإرهابية
في إبريل 2017، قدرت مجلة "إنتليجنس أون لاين"، المتخصصة في شؤون الاستخبارات، عدد الأجانب الذين انضموا الى صفوف داعش عبر البوابة التركية بنحو 30 ألف متطرف أجنبي خلال 2016 فقط، زعم أردوغان محاربته للإرهاب.
وقالت الدورية الاستخباراتية إن تركيا مارست عملية انتقائية دقيقة ومضللة لتسهيل دخول المقاتلين الأجانب إلى الأراضي السورية، ففي الوقت الذي تمرر فيه تركيا راغبي الالتحاق بداعش، كانت تعيق دخول آخرين ذراً للرماد في العيون.
من ناحية أخرى، عثرت مليشيات الأكراد بعد سيطرتهم على مدينة منبج شمالي سوريا في يناير 2017، على وثائق تؤكد دعم أردوغان لتنظيم داعش الإرهابي، وذلك عبر تسهيل عبور مقاتليهم وكذا نقل الأسلحة والمعدات.
هذا الدعم كشفت عنه صحيفة جمهوريت التركية في 19 يناير 2014، بعد أن نشرت تقريراً عن توقيف 3 ناقلات متجهة إلى سوريا بمدينة هاتاي ضمن حملة أمنية لقوات الحدود التركية، كانت تحمل أسلحة ثقيلة، أسفل صناديق المساعدات الإنسانية.
وفيما يتعلق بتنظيم القاعدة، فقد أرسل الجيش التركي قوات استطلاع إلى إدلب التي يسيطر عليها التنظيم الإرهابي وذلك في أكتوبر 2017، بحجة مراقبة الوضع لتطبيق اتفاق مناطق خفض التوتر على إدلب، وهو الاتفاق الذي توصلت إليه تركيا مع روسيا وإيران في محادثات أستانة وشمل عدة مدن سورية أخرى.
وبخلاف اتفاق خفض التوتر فسبق وأن أعلن مسؤولون أتراك أنهم مستعدون لشن عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا، للحد من توسع الأكراد الذين يكسبون أرضاً جديدة كل يوم، دون ذكر التنظيمات الإرهابية.
من هنا، يتضح جلياً أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يستخدم جماعات الإسلام السياسي والتنظيمات الإرهابية لتحقيق أهدافه السياسية، وذلك على حساب الشعوب والدول العربية، كما يكشف عن أبعاد العلاقة بين الجانبين، ويكشف أيضاً عن أسباب انتشار الإرهاب في المنطقة.