اللعب بالنار.. نفوذ تركيا في جنوب القوقاز يهدد أوروبا
بينما يحاول العالم جلب الأطراف المتصارعة بقره باغ للمفاوضات من أجل تحقيق السلام وإخماد الصراع، تعمل أنقرة على إعاقة هذه الجهود
يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اللعب بالنار، في جنوب القوقاز، عبر إرسال سلاح وإرهابيين سوريين، إلى أذربيجان التي تخوض صراعا حدوديا مع أرمينيا، ما يحمل في طياته مخاطر مدمرة على المنطقة والقارة الأوروبية.
السبت الماضي، بدأت هدنة إنسانية بين أذربيجان وأرمينيا، لكن الأولى الحكومة التركية سعت لإفشالها عبر الدفع باتجاه استمرار النزاع.
جاء إعلان الهدنة بناء على بيان مشترك صدر في 1 أكتوبر/تشرين الأول الجاري عن رؤساء روسيا، فلاديمير بوتين، والولايات المتحدة، دونالد ترامب، وفرنسا، إيمانويل ماكرون، وبيان رؤساء مجموعة مينسك لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا الصادر في 5 أكتوبر، وبيان موسكو الصادر في 10 أكتوبر/تشرين الأول، وجمعيها دعت لوقف إطلاق النار.
لكن بينما يحاول العالم جلب الأطراف المتصارعة إلى طاولة المفاوضات من أجل تحقيق السلام وإخماد الصراع، تعمل أنقرة بشكل ممنهج على إعاقة هذه الجهود، وفق صحيفة "نويه زوريشر" السويسرية.
تدويل الصراع
قالت الصحيفة السويسرية "يحث أردوغان رئيس أذربيجان الذي ينعته بالأخ على عدم تقديم أي تنازلات ويقدم له جميع أنواع الدعم العسكري".
وأضافت: "هذا التصرف يعطي الصراع بعدا جديدا ويجعله صراعا دوليا، ويوضح مسؤولية أنقرة المباشرة عن تصعيد العنف".
ويعد جنوب القوقاز منطقة محورية في السياسة الخارجية التركية، إذ تحاول أنقرة لعب دور نشط في المنطقة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في 1991. وفي السنوات الأخيرة، حاول نظام أردوغان تكثيف الدور التركي والبناء على الماضي العثماني لتقوية العلاقات مع دول المنطقة.
لكن هذه الطموحات تبدو بلا أساس؛ فأنقرة لا تملك الإمكانيات الاقتصادية والعسكرية والسياسية للعب دور بهذا الحجم ومواجهة النفوذ الروسي في جنوب القوقاز، وفق الصحيفة السويسرية.
ورغم محدودية القدرات التركية، حاولت أنقرة خلال السنوات الماضية، توسيع التعاون الاقتصادي مع باكو وتبليسي كمدخل لجنوب القوقاز، ثم شرعت في تقوية التعاون الأمني مع العاصمتين، لكنها منحت باكو الأولوية.
توسيع النفوذ
الصحيفة السويسرية أوضحت "وفي السنوات الأخيرة، أصبحت لهجة أنقرة أكثر عدوانية. وزج أردوغان ببلاده في صراع قره باغ. لكن لا ينبغي أن يُفهم التضامن التركي مع باكو في هذا الصراع على أنه التزام أخلاقي تجاه الشريك الوثيق".
وتابعت "أنقرة تستخدم هذا الصراع كوسيلة لتوسيع رقعة قوتها المحدودة في الإقليم"، مضيفة "تسليح أنقرة للجيش الأذربيجاني وإرسال الإرهابيين لدعمه، سيكون له عواقب وخيمة على استقرار جنوب القوقاز".
كما أن تورط تنظيمات إسلامية متطرفة في الصراع بين أذربيجان وأرمينيا ينطوي على تهديد كبير للمنطقة وأوروبا، وفق "نويه زوريشر" التي أضافت "على الرغم من أن الجيل الجديد من الإرهابيين في شمال القوقاز ينشط بشكل رئيسي في مسرح الحرب الأفغاني، إلا أن جنوب القوقاز يعد ملاذًا مثاليًا وأرضًا خصبة للتنظيمات الإرهابية والمتطرفة خاصة في ظل دعم تركي غير محدود".
لذلك، فإن نقل تركيا لأعداد كبيرة من الإرهابيين إلى أذربيجان يعد"لعبا بالنار"، وتقوية للتنظيمات الإرهابية في المتطرفة، ما يهدد بأن تصبح المنطقة بؤرة للإرهاب.
بدورها، تعي موسكو هذا الخطر جيدا، بل تحاول كبح هذا التطور بإجراءات محددة، ففي الآونة الأخيرة، جرى تعيين مسؤول عسكري كبير، هو سيرجي ميليكوف، رئيسًا للحكومة في جمهورية داغستان المتاخمة لأذربيجان. وكان ميليكوف شخصية محورية في الحرب الروسية ضد الإرهاب.
الأمر لا يتوقف عند ذلك، إذ يضع عدم الاستقرار الوشيك في جنوب القوقاز، الاتحاد الأوروبي في مأزق، وخاصة أن نفوذ القوى الراديكالية والإرهابية المتزايد في المنطقة يمكن أن يقوّض الاتجاهات الحالية نحو الديمقراطية، وفق الصحيفة السويسرية.
كما أن التحديات الأمنية المتزايدة في جنوب القوقاز تهدد أمن وتماسك جورجيا المجاورة، ويشكل انتشار الإسلاميين المتطرفين في المنطقة تهديدا أمنيا كبيرا للاتحاد الأوروبي، حسب الصحيفة ذاتها.