تركيا تفتك بـ"الأخطبوط" الموريتاني.. رحلات الصيد الحرام
جريمة جديدة لتركيا في أفريقيا، هذه المرة بموريتانيا التي تتعرض لاستنزاف ممنهج لثروتها السمكية على يد السفن التركية.
ومع توالي التحذيرات من التدمير الممنهج الذي تمارسه السفن التركية على الشواطئ البحرية الموريتانية، جاءت الأرقام الرسمية لتدق ناقوس خطر نفاد مخزون أسماك "الأخطبوط" التي كانت أهم صادرات البلد إلى الخارج.
وكشفت نشرة صادرة مؤخرا عن المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد (حكومي)، حول حالة موارد البلد البحرية، أن مخزون سمك "الأخطبوط" بموريتانيا يعرف "استغلالا مفرطا".
ووفق النشرة، التي اطلعت عليها "العين الإخبارية"، فإن قدرة المخزون من الأخطبوط 32700 طن.
وعلى غرار حالة الاستنزاف التي يشهدها "الأخطبوط" يواجه "جراد البحر الوردي" هو الآخر استغلالا مفرطا، بحسب النشرة التي قدرت كميته 2808 أطنان فقط، وهو نفس الشيء بالنسبة لسمك "الكوربين"، الذي تم استغلاله بشكل كامل، وفق أرقام النشرة التي قدرت كمياته بـ3500 طن.
تحذيرات متكررة
وقبل أقل من شهر حذر حزب "تكتل القوى الديمقراطية" في موريتانيا من خطورة ما وصفه بالنهب الذي تتعرض له الثروة السمكية للبلد بفعل نشاط أسطول الصيد التركي وتهربه من آليات الرقابة المطبقة على البواخر في هذا المجال، داعيا إلى سحب وتوقيف نشاط الأتراك بسبب هذا النهب.
واعتبر حزب "التكتل" وهو من أعرق الأحزاب الموريتانية وأكثرها تأثيرا في الساحة الموريتانية، في بيان اطلعت عليه "العين الإخبارية"، أن هذا "النهب التركي" أدى إلى "انخفاض كمية الأسماك في البلاد إلى أدنى حد بعد الراحة البيولوجية الثانية لهذه السنة 2020",
وأضاف أن هذا الوضع نجم عنه توقف شبه كامل لأسطول الصيد التقليدي بشكل خاص.
وأشار الحزب إلى الأزمة الحالية نتيجة تهرب الأسطول التركي من آليات الرقابة البحرية الموجودة على بواخرهم، دون أن تتخذ السلطات والرقابة البحرية أية إجراءات رادعة بحقهم، كسحب الرخص وطردهم خارج البلاد.
وأوضح الحزب أن ما وصفها بـ"الكميات الخيالية المصطادة من طرف البواخر التركية، والمقدرة بنحو 400 طن خلال يومين، والمأخوذة أساسا من الصيد في المناطق المحظورة وبشباك محرمة، تشكل خطرا على الثروة السمكية والمحيط البيئي الضروري لتكاثر السمك".
الصيد المحرم
تحذير حزب "التكتل" من خطورة نشاط الأسطول التركي على مستقبل ثروة البلد السمكية يأتي في ظل تزايد المطالبات على المستويين الشعبي والسياسي بالتصدي لأعمال النهب والصيد المحرم التي تقترفها البواخر التركية في مياه البلاد الإقليمية التي كان ينظر إليها كواحدة من أغنى شواطئ العالم بهذه الثروة.
النائب البرلماني السابق عبد الرحمن ولد المراكشي، نبه بدوره إلى أن ثروة موريتانيا السمكية باتت مهددة بشكل كبير نتيجة أساطيل الصيد التركية، مبينا أن النظم المعمول بها تفرض 40 ملم كسعة لفتحات الشباك، في حين يستخدم الأتراك فتحات سعتها 22 ملم فقط.
وأضاف البرلماني سابق في مقابلة صحفية، أن الصيد التركي الجائر يغذي مصانع تطحن ما يقارب 750 ألف طن سمك للحصول على 150 ألف طن فقط من دقيق السمك (يباع كعلف لمزارع تربية الأحياء المائية في أوروبا) فيما يعرف محليا بمصانع الموكا.
خطر داهم
وفي مدينة نواذيبو عاصمة موريتانيا الاقتصادية ومركز الثروة السمكية للبلد تتحدث العديد من الأوساط الاقتصادية عن عمليات استنزاف ممنهجة بالغة الخطورة من قبل أساطيل تركية تستخدم بواخر ومعدات صيد محرمة دوليا داخل مصائد الأسماك.
وبات الخبراء يدقون ناقوس خطر القضاء على الثروة السمكية الموريتانية من خلال استنزافها باستخدام تلك السفن لشباك خطيرة وممنوعة من ممارسة أي نشاط للصيد البحري في بحار ومحيطات العالم، وخاصة في أوروبا.
وتحدثت صحفية "العلم" عن نمط آخر من الاستنزاف التركي للأسماك الموريتانية، مشيرة إلى أن هذه البواخر التركية تقوم بخداع الرقابة البحرية حيث تضع الشريحة الإلزامية التي يتم بها متابعة وتحديد موقع الباخرة أثناء الصيد على قوارب الإغاثة من أجل تضليل أجهزة الرقابة.
بينما يقوم قارب الصيد بالإغارة على السمك في أماكن أخرى محرم الاصطياد فيها بصفة عامة.
وتنسب الصحيفة لمصدر خاص أن الكارثة في كون السمك الكبير الاقتصادي والمحمي من الدولة يتغذى على هذه الأسماك الصغيرة التي تواجه هذا الاستنزاف الخطير.
وأشارت إلى أن البواخر التركية شبه مسطحة، وبالتالي يمكنها ولوج كل مناطق الصيد حتى السطحية، عكس البواخر التي توجد جزء كبير منها داخل المياه .
الغول التركي
المدون الموريتاني اقريني سيدي محمد، اعتبر في منشور بصفحته على فيسبوك أن ما وصفه بالغول التركي بات يستنزف الثروة السمكية دون حسيب ولا رقيب، على حد وصفه.
وكشف المدون بالأرقام حجم الاستنزاف التركي لأسماك موريتانيا مبينا أن الكمية تقدر ب600 طن حصيلة يومية بقيمة مليار ونصف الميار أوقية موريتانية تقريبا (ما يعادل 3.3 مليون دولار).
ونبه المدون أن الأتراك لا يسمح لهم في الاتفاقيات المبرمة معهم بالصيد السطحي للأسماك، ومع ذلك لا يلتزمون بهذه الاتفاقيات ويعمدون دائما للتهرب من تطبيقها ومغافلة القائمين على الرقابة البحرية لموريتانيا.
"مذبحة الكوربين"
وكان مهتمون بشؤون صيد الأسماك في موريتانيا قد لفتوا قبل أشهر إلى خطورة ممارسات سفن الصيد التركية، ومحاولة استحواذها بطرق غير مشروعة على حصص خارج بنود الاتفاقيات التي تسمح لهم بممارسة هذا النشاط.
ووصل استهتار السفن التركية بمصالح موريتانيا حد محاولتهم خرق الحظر دخول العمال الأجانب لموريتانيا المطبق في إطار مواجهة كورونا، مما ولد موجات ردود فعل في مواقع التواصل الاجتماعي مستنكرة لهذا التصرف.
المهتمون بشؤون صيد الأسماك في مدينة نواذيبو الموريتانية، التي تمثل مركز الثروة السمكية بالبلاد، تداولوا نهاية العام الماضي، مقاطع تظهر ممارسات لسفن تركية مضرة بالمياه الموريتانية، معتبرين أنها تمثل "مذبحة" ضد أهم أصناف هذه الأسماك وهو ما يعرف بـ"الكوربين".
واعتبر المهتمون بالمجال أن هذه الممارسات "البشعة" للسفن التركية تهدد بانقراض بعض أصناف الأسماك، وتؤثر على ظروف تكاثرها البيولوجي، كما تؤدي إلى ندرة الأسماك ومن ثم ارتفاع أسعارها، خصوصا الأنواع التي يكثر عليها الطلب من جانب فئات المواطنين الأقل دخلاً.
وحذر المهندس حمود الفاظل، الخبير بالمعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد، من "مذابح سمك الكُوربين" على يد السفن التركية التي تصطاد بالمياه الموريتانية.
وأوضح الفاظل، في تعليق على فيديو مسرب من متن إحدى سفن الأتراك، أن هذه الممارسات تستهدف واحدة من أشهر وأهم الأنواع البحرية بالبلاد، والتي تهاجر إلى المياه الموريتانية في أسراب كبيرة بفترة التكاثر، لتجد في استقبالها الشبكات الدوارة على متن السفن التركية، والتي تخالف معايير اصطياد هذا النوع من الأسماك