تركيا بين زلزالين.. هل تحرك كوارث الطبيعة "صفائح" السياسة؟
صفائح الأرض تتحرك فتهز رجتها الارتدادية أروقة السياسة، وتقلب مزاج الرأي العام لتصنع توليفة خاصة، تعيد توزيع الشعبية على مقياس صناديق الاقتراع.
هذا ما يبدو عليه الوضع في تركيا، البلد الرابض بمفترق تاريخين يرسمان ملامح السياسة على أجنحة حمم الزلازل 1999 و2023.
فقبل أكثر من عقدين كانت 17 ثانية كفيلة بأن تحول إزميد التركية لمدينة منكوبة وتغرقها وسط ركام كتب نهاية حياة الآلاف وشرد نحو نصف مليون.
اعتقد الأتراك حينها أن "كارثة القرن" -كما وصفها الخبراء- كانت أسوأ ما يمكن أن يمر عليهم في تاريخهم الحديث، وأن الهزة التي رجت طول الجهة الغربية لفالق شمال الأناضول استكملت تحرك الصفائح ومنحتهم وعدا بهدنة دائمة.
لكن حسابات الطبيعة والجيولوجيا كانت مختلفة تماما، لتفاجئ الأتراك بعد 23 عاما وتحديدا الإثنين الماضي بكارثة لا تقل حجما، بقوة بلغت 7,8 درجة على مقياس ريختر، وتلته أكثر من 100 هزة ارتدادية.
وما بين التاريخين، تقف إحداثيات وتداعيات مختلفة ساهمت بطريقتها في تحريك صفائح السياسة، وتعديل مزاج الرأي العام بشكل أو بآخر، لكن المؤكد هو أن تركيا بعد أغسطس/آب 1999 لم تكن كما قبله، ولن تكون كما قبل 6 فبراير/شباط 2023.
الاختبار الأصعب
قد يكون الاختبار الأصعب في 20 عاما قضاها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في السلطة، وهو الذي يتأهب لانتخابات رئاسية وبرلمانية مقررة في 14 مايو/أيار المقبل، ولفترة تحضيرات تتزامن بالأسابيع المقبلة مع مشاهد انتشال الجثث وإزالة الأنقاض.
الواقع والتاريخ يشهدان على أن حكومة أردوغان قادرة عمليا على التعامل مع الكارثة، فلقد واجهت حالات مماثلة منذ توليه السلطة في 2003، وتعددت إنجازاتها في التصدي لزلازل وحرائق غابات وغيرها من الكوارث الطبيعية.
كما أن الدراسات أثبتت أن الثقة السياسية في الحكومات لدى المواطنين لا تتأثر بشكل عام، لكن ذلك لا ينفي معادلة غالبا ما تفرض نفسها في مثل هذه الحالات، وهي استثمار الكوارث لرفع وتيرة المزايدات السياسية والإعلامية سواء في الداخل أو الخارج.
فالسياق السياسي للزلزال يتيح إمكانية استغلاله بشكل استراتيجي، سواء من المعارضة أو من غيرها، ومن هنا فإنه يمكن اللعب على العديد من الأوتار، مثل استثمار التقصير الوارد في مجابهة المآسي والكوارث الكبرى، لتأليب المزاج العام، وهذا أمر وارد جدا في الحالة التركية المقبلة على انتخابات عامة.
وهنا يرى خبراء أن التحدي لا يفرضه زلزال الإثنين فقط وإنما كارثة 1999، لأن السلطات الحالية ستحاسب على نتائج قرارات الحكومة قبل عقدين، والتي من بينها وضع قواعد بناء جديدة وتطبيق أكواد إلزامية لتأمين كل المباني من التأثر بالزلازل القوية.
لكن التحذيرات التي راجت لسنوات عدة حول عدم الالتزام بتلك القواعد بدقة كفيلة بأن تضع القضية تحت منظار التدقيق العام قبل الاقتراع.
ومع أن أردوغان لم يكن في السلطة في 1999، حيث غادر السجن شهرا قبل ذلك لمواصلة عمله السياسي ومن ثمة تأسيس حزب العدالة والتنمية في 2001، إلا أن الرأي العام قد يحاسبه على الإخلالات المحتملة بقواعد السلامة، خصوصا في عهد حكمه.
الزلزال قد يحرك أيضا صفائح الغضب والاحتقان في تركيا، البلد الذي يعاني منذ سنوات من ارتفاع معدلات التضخم وانهيار العملة، في وقت يستشرف فيه الخبراء رقما ضخما لإعادة الإعمار، ما يضيف ضغوطا هائلة على الميزانية العامة.
العلاقات الدولية
المأساة حشدت مدا تضامنيا دوليا مع تركيا، وهذا من شأنه أن يقلل من حدة التوترات الإقليمية وقد يفتح قنوات اتصال أغلقت أو تعثرت، كما أن الرسائل المتعاطفة والداعمة من مختلف أنحاء المنطقة قد تمنح العلاقات الإقليمية بعض الهدوء.
هذا ما يجمع عليه مراقبون حتى الآن ممن يعتقدون أن أردوغان قد يحقق نقاطا سياسية سريعة سترفع حظوظه بالانتخابات المقبلة، وستقلل من فرص معارضيه الذين غالبا ما يركزون على التوترات في علاقات أنقرة بمحيطها.
ويرى الباحث التركي إيسر أوزديل، مدير مجموعة "غلوكال" الاستشارية، أن أي دعم من دول أخرى سيحدث فرقا، حيث أظهر التاريخ أن التضامن زمن الكوارث الطبيعية يمكن أن يقدم مساهمات إيجابية في تنمية العلاقات بين الدول.
ولم يستبعد أوزديل أن تعمل البلدان، التي تظهر تضامنا مع تركيا، على تحسين علاقاتها الثنائية مع أنقرة، وهذا ما سينعكس إيجابا على الموقف السياسي لأردوغان، المتهم بضرب معادلة صفر مشاكل مع الجيران.
aXA6IDEzLjU5LjEyOS4xNDEg جزيرة ام اند امز