"دولة الرئيس".. أردوغان يريد دستورا لتحصين سلطويته
مرحلة جديدة ينتقل إليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتحصين موقعه ومواجهة شعبيته المتآكلة بعد سنوات من أسوأ حملة قمع ضد شعبه.
دستور جديد بدأ بالترويج له بالإعلان أن حزبه "العدالة والتنمية" الحاكم وحلفاءه القوميين، قد يبدؤون بالعمل على صياغته، وذلك بعد أقل من أربع سنوات من تعديل الدستور السابق الذي منحه صلاحيات تنفيذية واسعة.
خطوة فجرت زلزالا في تركيا وخصوصا في صفوف الأكاديميين والمعارضين، ممن رأوا فيها محاولة من أردوغان لتحصين سلطويته بعد فشله في تأمين سلطته عبر التأييد الشعبي.
الكاتب الصحفي، مراد يتكين، اعتبر أن أردوغان يهدف من وراء دعوته هذه لتعزيز صلاحيات الرئيس في الدستور.
وقال يتكين، في مقال نشره، الخميس، الموقع الإلكتروني لصحيفة "يني آسيا" وتابعته "العين الإخبارية"، إن "صياغة الدستور الجديد تهدف إلى إضعاف المعارضة بشكل أكثر، حتى تكون الحديقة خالية تماما من الشوك".
ولفت إلى أن "المعلن للرأي العام هو أن الدستور الجديد يستهدف تعزيز البرلمان والقضاء، لكن الحقيقة هي الوصول إلى نظام رئاسي أقوى".
وأوضح يتكين أن "الجميع يتساءلون ماذا سيحدث لمواد الدستور التركي الأساسية"، مشيرا إلى أن "المادة الأولى من الدستور التي تتعلق بالمبادئ التأسيسية بالجمهورية ستبقى كما هي كالعلمانية والديمقراطية".
وبخصوص المادة الثانية من الدستور الخاصة بحكم القانون الديمقراطي والعلماني والاجتماعي، قال يتكين إن "أردوغان سيتعهد بأن النظام الرئاسي سيكون ضمانًا لبقاء هذه المبادئ الأساسية الثلاثة في الدستور، لكن المشكلة قد تظهر في عبارة: التمسك بقومية (مصطفى كمال) أتاتورك”.
ووفق يتكين، فإن حزب العدالة والتنمية قد يتجه إلى إجراء تعديل في عبارة “التمسك بقومية أتاتورك”، بحيث يتماشى مع مطالب حليفه الحركة القومية.
أما المادة الثالثة الخاصة بوحدة الدولة والأمة، فرجح يتكين أيضا امكانية كتابتها من جديد، وتحويلها من “لغة الدولة هي التركية” إلى “اللغة الرسمية للدولة هي التركية”، مع أن حزب الحركة القومية قد يتحفظ في هذا الصدد، نظرًا لمواقفه السابقة المصرة على بقاء عبارة “لغة الدولة هي التركية”، على حد قوله.
وأشار الكاتب إلى أن استبدال عبارة “لغة الدولة هي التركية” بـ”اللغة الرسمية للدولة هي التركية” سيفتح الباب أمام إمكانية التعليم باللغة الكردية، معتبرا أن أردوغان سيقدم هذه الخطوة كقربان للعالم الغربي للتدليل على صدقه في التحول الديمقراطي.
المعارضة ترفض
على الصعيد نفسه، أدان كل من علي باباجان، رئيس حزب الديمقراطية والتقدم، وميرال أكشينار، زعيمة حزب الخير، دعوة أردوغان، معتبرين أن الغرض منها صياغة نصوص تناسبه ومصالح نظامه.
جاء ذلك في تصريحات أدلى بها المعارضان التركية، عقب لقاء جمعهما الخميس، بجسب صحيفة "جمهورييت" المعارضة.
وقال باباجان إن "النظام الحاكم في تركيا يعمل على تجاهل قرارات المحكمة الدستورية، وذلك حسب رغبة أردوغان الذي يسعى لاستبدال نصوص الدستور بنصوص تناسبه على نحو أكثر فاعلية".
وأضاف أن "تركيا تعاني من مشكلة بطالة عميقة، فضلًا عن مشكلات الشباب وتفشي الانتحار نتيجة الفقر، والخلل في توزيع الثروات وتراجع الدخول، وبدلًا من حلّ هذه المشكلات، تتوجه الحكومة إلى كتابة دستور جديد".
على نفس النسق، انتقد تمل قره ملا أوغلو، رئيس حزب السعادة المعارضة، قائلا "قبل وضع أي دستور جديد نحن بحاجة لذهنية وفكر جديد".
وأمس الأربعاء، جدد أردوغان دعوته لكتابة دستور جديد لبلاده رغم رفض المعارضة الشديد للخطوة حين أعلن عنها لأول مرة الإثنين الماضي.
الدعوة قوبلت برفض من قبل أحزاب المعارضة التي اعتبرت الدعوة محاولة من الرئيس لإلهاء الرأي العام، وتغيير قواعد اللعبة لصالحه، لا سيما إذا استهدف مواد بالدستور خاصة بقوانين تشكيل الأحزاب، وإقامة التحالفات.
وزعم أردوغان في تصريحاته، أمس الأربعاء، أن "الدستور الجديد سيقوم على خطوات تاريخية زودنا بها دولتنا، ومن بينها النظام الرئاسي المعمول به حاليًا".
وواصل مزاعمه قائلا: "علينا أن نترك الدستور الحالي الذي فقد تكامله واتساقه الداخلي، لكثرة التعديلات التي أجريت عليه، ونعمل على صياغة دستور مدني جديد؛ لفتح آفاق جديدة أمام البلاد حتى العام 2053".
الدستور القائم وتعديلاته
جدير بالذكر أن الدستور المعمول به في تركيا حاليًا هو دستور العام 1982 وقد وضعته المجموعة العسكرية التي قامت بانقلاب العام 1980.
وعدل هذا الدستور 19 مرة من قبل منذ تاريخ اعتماده، منها 10 مرات من قبل حزب العدالة والتنمية، آخرها التعديل الدستوري الذي جرى العام 2017 وأقر الانتقال إلى نظام الحكم الرئاسي.
وكانت هناك محاولات سابقة لتوافق الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان على صياغة دستور جديد للبلاد بعهد العدالة والتنمية عام 2015، غير أن المحاولة باءت بالفشل.
وليست هناك مواد معينة يرغب الحزب الحاكم في تعديلها، هو فقط يقول إنه يريد صياغة دستور مدني جديد، وإلغاء المواد التي يزعم أنها داعمة "لنظم الوصاية المتبقية في الدستور".
فيما تقول تقارير إعلامية إن "هناك رغبة حثيثة لدى الحزب الحاكم لتغيير المواد المتعلقة بقانوني الأحزاب والانتخابات، بما في ذلك التحالفات الانتخابية، لتكون متوائمة مع النظام الرئاسي المعمول به منذ أكثر من عامين.
ورغم دعوة أردوغان، فإن حزبه لا يملك سواء أكان منفردًا أو متحالفًا مع حزب الحركة القومية المعارض، القدرة على تمرير دستور جديد، ذلك أن التمرير أو التعديل الدستوري من البرلمان مباشرة يحتاج لموافقة ثلثي الأعضاء (400 من أصل 600 نائب).
وحتى في حال تمريرها من البرلمان، ينبغي عرض التعديلات على الشعب للاستفتاء عليها، وتحتاج هذه الخطوة لموافقة 60 % من النواب أي ما يعاد 360 نائبًا، في حين أن تحالف الحزب الحاكم والحركة القومية يملك أقل من 337 نابئا (289 للعدالة والتنمية، و48 للحركة القومية)