أزمة «أردوغان» أنه وقع في ذات الخطأ الاستراتيجي الذي وقع فيه قبله عشرات على مر التاريخ الذين لم يعرفوا معنى قاعدة أين تقف حدود قوتهم؟
هناك عالم افتراضي ممزوج بضلالات عقلية تشعر بغطرسة القوة وجنون العظمة تسيطر على «عقلية ونفسية» الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
هذه العقلية انتقلت انتقالات حادة بسبب نجاح حزبه على قاعدة الزعيم نجم الدين أربكان، وتطور الاقتصاد بفضل توركوت أوزال، وتقدم الصناعات العسكرية التركية بفضل اتفاق التعاون مع إسرائيل.
فجأة وجد «أردوغان» نفسه مؤهلاً كي يؤسس إمبراطورية عثمانية جديدة أو يعيد مجد الأجداد في زمن موات للغاية لمثل هذا المشروع، تحت دعوى أن «أنقرة» تملك رسمياً صك امتلاك أراضي الشرق الأوسط تاريخياً!
هكذا يحلم «أردوغان» بتوسيع حدوده نحو الموصل في العراق، ومنبج وعفرين في سوريا، والحدود الساحلية ناحية المياه الإقليمية القبرصية، وموانيه نحو طرابلس في البحر المتوسط وسواكن وجيبوتي في البحر الأحمر. إن غطرسة القوة، وعدم فهم واقع المعادلات الإقليمية والدولية التي تحكم عالم اليوم سوف تطيح بأحلام «أردوغان».
الوقت مناسب للعثمانيين الجدد؛ ها هي روسيا أصبحت في قمة البراجماتية، وها هي أمريكا في قمة التوحش الرأسمالي، وها هي أوروبا في قمة الأزمة والانكفاء، وها هم العرب في قمة اللامشروع والفوضى والتشرذم.
الآن تضع «أنقرة» يدها على نفط كركوك في العراق بعمق 250 كيلومتراً، وثلث أراضي سوريا في شمال شرق البلاد، والحصول على غاز قبرص في المياه الدولية للمتوسط، وإقامة قاعدة عسكرية في ليبيا، بعدما تمت إقامة قاعدة تركية في قطر لتأمين النظام من الداخل، ونشر الوجود التركي في السودان وجيبوتي والصومال وإثيوبيا.
أزمة «أردوغان» أنه وقع في ذات الخطأ الاستراتيجي الذي وقع فيه قبله عشرات من الزعماء على مر التاريخ أمثال: الإسكندر الأكبر وجنكيز خان ونابليون بونابرت وموسوليني وهتلر وصدام حسين ومعمر القذافي الذين لم يعرفوا معنى قاعدة «أين تقف حدود قوتهم؟».
كيف يمكن لدولة مثل تركيا أن يكون لديها أكبر قوة برية معبأة وعاملة في حلف الأطلنطي، ولديها في ذات الوقت قوات وخبراء في كل من العراق وسوريا وليبيا وقطر؟
هذا التوسع الأحمق والمكلف ترك آثاره على حدوث أكبر انخفاض تاريخي في أداء الليرة التركية مقابل الدولار.
نعود إلى تصريح رسمي علني لـ«أردوغان» عام 2011 حينما أعلن قرب مرور 100 عام على توقيع اتفاقية لوزان في 24 يوليو 1923، وبدأت الجهات الحكومية التركية تعد الإجراءات لاستعادة كركوك والموصل لأنهما «كانتا من أملاك السلطان عبدالحميد الثاني»، وبالفعل أُرسلت القوات التركية للمنطقة وتتمركز في معسكر «بعشيقة» تمهيداً للضم!
يعلن «أردوغان» علناً ليل نهار أن قواته دخلت سوريا بهدف ما يدعي أنه إقامة منطقة آمنة بعمق 32 كيلومتراً شمال شرق سوريا وإعادة توطين 2 مليون سوري.
وفي الحقيقة أن المشروع، المؤامرة، هو تحقيق لحلم تركي عثماني تاريخي بالتوسع، وفيه أيضاً رغبة في إعادة تفعيل ضم الأراضي السورية طبقاً لاتفاقية وقّعها «أتاتورك» عام 1923 في لوزان، فيها تحديد لحدود الدولة العثمانية، وتدعي «أنقرة» أنها وقعت هذه الاتفاقية تحت ضغط وضعف وأنها تريد العودة إلى ما قبل الاتفاقية لتسيطر على بلاد المشرق وشمال أفريقيا والجزر اليونانية.
إنه ذلك الثأر التاريخي بين كل ما هو تركي ضد كل ما هو كردي.
التاريخ الحديث يوضح لنا ويثبت حالة الثأر والثأر المضاد بين تركيا والأكراد.
في عام 1925 هاجر عشرات الآلاف من الأكراد عقب ثورة الشيخ الكردي سعيد بيران التي قمعتها حكومة كمال أتاتورك بقسوة.
ومنذ ذلك التاريخ استوطن الأكراد منطقة شمال شرق سوريا ودخلوا في علاقات شد وجذب حول حقوق المواطنة مع الأنظمة السورية المتعاقبة.
ويقدر كرد سوريا ما بين 2 إلى 2٫5 مليون، ويتمركزون في مناطق الحسكة والقامشلي وعامودا وعين العرب وعفرين، وهي مناطق تحلم تركيا بالسيطرة عليها لأسباب أمنية حدودية، واقتصادية تجارية.
وهكذا يحلم «أردوغان» بتوسيع حدوده نحو الموصل في العراق، ومنبج وعفرين في سوريا، والحدود الساحلية ناحية المياه الإقليمية القبرصية، وموانيه نحو طرابلس في البحر المتوسط وسواكن وجيبوتي في البحر الأحمر.
إن غطرسة القوة، وعدم فهم واقع المعادلات الإقليمية والدولية التي تحكم عالم اليوم سوف تطيح بأحلام «أردوغان».
ولعل رسالة «ترامب» إلى الرجل يوم 9 أكتوبر الحالي، التي تسربت عن عمد وأكدها البيت الأبيض، تؤكد أن «ترامب»، الذي يصفه خصومه في الداخل والخارج بـ«الحماقة السياسية الشديدة»، يحذر «أردوغان» قائلاً: «لا تكن أحمق ولا تدخل التاريخ كشيطان»، ولا تتسبب بـ«قتل الناس»، و«إذا أقدمت على دخول سوريا سوف أدمر اقتصادك».
رغم ذلك كان «أردوغان» أكثر حماقة من «ترامب» وقام بخطئه التاريخي!
نقلاً عن "الوطن المصرية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة