داود أوغلو.. من ظل أردوغان إلى "أكبر" تهديد لنظامه
خلافات أحمد داود أوغلو بدأت مع الرئيس رجب أردوغان نهاية 2013، عقب محاكمة 4 من وزراء حكومته بتهمة الفساد، ما اعتبرها استهدافا شخصيا له.
حتى وقت قريب كان ظل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قبل أن ينقلب عليه، ويعلن الطرفان حرباً كلامية شعواء، يدرك كلاهما أنها ستفضح جرائمهما، وستكون الخنجر الذي سيجهز على حزب "العدالة والتنمية" وتنهي حكمه الفاشي.
أحمد داود أوغلو، رئيس وزراء تركيا الأسبق، والرجل الذي أعلن مؤخراً تمرده على أردوغان، فكان تخوينه من قبل الأخير، الرد الأكثر توقعاً وسط تحركات الرجل لتشكيل حزب جديد يتوقع أن يطيح بالنظام الحالي.
- "حزب أردوغان" يأكل أبناءه.. غضب يتصاعد بعد فصل داود أوغلو
- صراع أردوغان وداود أوغلو.. "صندوق أسود" يهدد وجود "العدالة والتنمية"
لكن بقدر ما أثارته الحرب المستعرة بين الرجلين من ارتياح محلي واسع، لما قد تلعبه في طرح بدائل حكم جديدة بالبلاد، خصوصاً في ظل مساعي حزب أردوغان "العدالة والتنمية" لفصل داود أوغلو، إلا أن مراقبين يجزمون أن كل ما بإمكان الأخير أن يقدمه لتركيا حالياً هو توفير أرضية خصبة لسقوط أردوغان، وأن مرحلة ما بعد ذلك ينبغي أن تكون خالية من داود أوغلو نفسه وأشباهه.
أما السبب فهو أن هذا الرجل الذي يوصف بأنه "الصندوق الأسود" للدولة في فترة معينة، وتحديداً بفترة من حكم أردوغان سواء رئيساً للوزراء أو للبلاد، والتي يمكن خلالها الحديث عن تماهي الأدوات الحزبية بقرارات الدولة بفعل هيمنته على مفاصل الحكم ومؤسساته، يختزن بذاكرته كوارث النظام وجرائمه، ويحتفظ بتفاصيل مذابح الأرمن ومجازر الأكراد ومآسي سوريا وغرفة عمليات جزء من احتجاجات البلدان العربية، وأزمات الشرق الأوسط، والكواليس المظلمة لجماعة الإخوان، والإرهاب وغيره.
هل ينفجر الصندوق الأسود؟
للإجابة عن هذا السؤال، لا بد من التوغل أولاً في شخصية داود أوغلو، والتعرف إليه عن قرب حتى يتسنى وضع تحليل استباقي لتحركاته المحتملة، خصوصاً في ظل مساعي فصلة من الحزب.
يشبهه المقربون منه بـ"الحرباء" المتلون، فتارة يرتدي قناع المسالم، وطوراً يكشر عن أنيابه، فقد كان ظل أردوغان الذي لا يفارقه ثم اختفى قبل عامين، وعاود الظهور معلناً دعمه لأردوغان، قبل أن يغير مساره ويعلن الانشقاق من الحزب والاتجاه لتأسيس حزب جديد، وهو ما قابله الرئيس التركي بتوجيه تهمة "الخيانة" لرفيق الأمس، ويفتح بذلك باب مواجهة يبدو أنها لن تحط أوزارها قريباً.
ورغم القناع الجديد الذي يسعى داود أوغلو بإظهار نفسه على أنه "اليد" البيضاء الممتدة لطرح بديل عن أردوغان، إلا أن ذلك لم يفلح في محو صورته العالقة بالذاكرة الجماعية للأتراك على أنه سبباً رئيسياً في تكريس سلطة الأخير.
بدأ حياته السياسية في 2003 سفيراً متجولاً قبل أن يتقلد المهام الخارجية ويؤسس نظريته المخادعة "تصفير المشاكل" مع دول الجوار، ليسقط سريعاً لاحقاً في جميع الاختبارات الداخلية والخارجية.
ترأس الحزب في 2014، إثر انقلاب قاده أردوغان المنتخب حينها لرئاسة تركيا، على عبدالله جول، الأقرب لخلافته، لكن أردوغان تآمر على الأخير، واختار داود أوغلو رئيساً للحزب والحكومة.
"تقسيم" تفضح بشاعته
في يونيو/حزيران 2013، خرج ملايين الأتراك مطالبين بإسقاط نظام أردوغان في واحدة من أكبر المظاهرات المناهضة للحكم، فيما عرف بـ"احتجاجات منتزه غيزي"، ومعها برزت الحرباء الكامنة بداخل داود أوغلو؛ حيث وصف ساحة تقسيم المعلم السياحي الأبرز في إسطنبول ومعقل المحتجين بأنه "أبشع ساحة في العالم".
فشل في إجهاض الاحتجاجات، لكنه فضح حقيقة نواياه وكذب سياساته الرامية لتزييف الواقع، وصدر لشعبه والعالم صورة بالغة السوء، بل قد يكون أداؤه من أبرز أسباب استبعاد تركيا من عضوية الاتحاد الأوروبي.
أما خلافاته مع أردوغان فبدأت نهاية 2013، عقب محاكمة 4 من وزراء حكومته بتهمة الفساد، وهو ما أثار غضبه واعتبر في ذلك استهدافاً شخصياً له ومحاولة انقلاب عليه.
وفي الوقت نفسه، اضطر لتجاوز الخلافات، وبدا غارقاً في جلباب معلمه، مستميتاً في إجهاض مطالب الأكراد، متبنياً ذات المقاربة الخبيثة في إضمار عكس ما يظهره، ليتحول من داعم لـ"سلام دائم" إلى سيف مسموم يقطف رؤوس الأكراد، خصوصاً عقب خسارة "العدالة والتنمية" الأغلبية في الانتخابات البرلمانية لعام 2015، ليعلن حرباً علنية ضدهم.
أيد مذابح بلاده ضد الأرمن، وافتخر بجميع مجازرها، وغرق في وهم إحياء الدولة العثمانية، مروجاً شعارات متطرفة تجلت خصوصاً من خلال دعم فلول جماعة الإخوان الإرهابية من الفارين من البلدان العربية.
صندوق أسود
بتحول داود أوغلو إلى واجهة لحزب العدالة والتنمية، بدأ أردوغان يفكر باستبعاده لكن بشكل سلس، لأن الأول كان على دراية بقضايا الفساد وجرائم عائلة الرئيس، لكن هذه الخطوة جعلت الرجل يفتح النار في مرحلة أولى، قائلاً: "نحن نمر بمرحلة ضبابية"، مشيراً إلى أن حكم أردوغان ينطوي على "القمع السياسي".
لاحقاً وبعد نحو عامين من إزاحته من رئاسة الحزب، ظهر في يناير/كانون الثاني 2018، أي قبيل اجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وبحكم خلافاته مع أردوغان، اعتقد الجميع أنه سيدعم عبدالله جول، لكنه خذل الجميع وأعلن تأييده للرئيس قبل أن يختفي مجدداً.
وبظهوره مجدداً أعلن داود أوغلو نيته تأسيس حزب جديد، في خطوة سرعان ما رد عليها أردوغان متهماً إياه بالخيانة، وهو ما استفزه ليرد بدوره بشن هجوم ساحق على رفيق دربه، بلغت حد اتهامه بالتخطيط مع داعش لتنفيذ تفجيرات 2015.
اتهامات بمفعول ألغام انفجرت بوجه أردوغان وأسقطت شرعيته بكلمات قليلة؛ حيث ألمح داود أوغلو إلى مسؤولية أردوغان في قتل الأكراد بتلك الحادثة، مهدداً بأن فتح دفاتر الإرهاب سيتسبب بـ"سواد وجوه كثيرة"، وبأن لديه أسراراً ستجبر أردوغان وحزبه في حال خروجها للعلن، على الخجل من النظر في وجه الأتراك.
aXA6IDMuMTQ0LjkzLjE0IA==
جزيرة ام اند امز