التراشق بين تركيا وإسرائيل.. "شو إعلامي" في مزاد السياسة
التراشق الكلامي والسياسي بين تركيا وإسرائيل لا يبدو أكثر من «شو إعلامي»؛ فالطرفان سرعان ما يعيدان ترتيب علاقاتهما.
تراشق كلامي وسياسي بين تركيا وإسرائيل يمنح انطباعا بأن العلاقات الثنائية على شفير الهاوية، وأن نيران التصريحات ستأتي على جميع المعاملات بين البلدين، وقد يصل الأمر إلى حد القطيعة.
غير أن الطرفين سرعان ما يعيدان ترتيب علاقاتهما، ويخرجان من تصعيد مفتعل لا يتجاوز مجرد كونه "شو إعلاميا" استعراضيا أمام الرأي العام المحلي والدولي.
العالم.. "كومبارس" في مسرحية
لمرة أخرى، يتجدد التراشق الكلامي والسياسي بين أنقرة وتل أبيب، احتجاجا على قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشرقية، وما رافقه من استهداف للمدنيين على حدود غزة.
مجزرة إسرائيلية دامية خلفت أكثر من 60 قتيلا وآلاف الجرحى، كان لابد أن تستثمرها تركيا على أكمل وجه. كيف لا، والقضية الفلسطينية كانت ولا تزال نقطة ضعف الشعوب حول العالم؟
وفي استعراض ركيك، طلبت الخارجية التركية من السفير والقنصل الإسرائيلي مغادرة أراضيها، في لقطة بدت «بطولية» في عيون الكثيرين ممن تفوتهم الإحداثيات الحقيقية للسياسة الدولية التركية.
أبلغت أنقرة السفير والقنصل بأن "عودتهما إلى بلدهما لبعض الوقت ستكون أفضل»، فكان أن ردت تل أبيب بالمثل، ليغلق المشهد على تصعيد دبلوماسي، وتهليل من قبل البعض بالموقف التركي المناصر لفلسطين، وإعجاب بقوة هذا البلد الذي يجسر على تحدي الكيان الصهيوني ومن ورائه الولايات المتحدة.
وفي الواقع، فإن هذا التوتر لا يُعَد الأول من نوعه بين تركيا وإسرائيل في السنوات الأخيرة، ولن يكون الأخير، لكن اللافت كان دائما نجاح الطرفين في لملمة ما بعثراه سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا، وخروجهما السريع من أجواء التصعيد باتجاه التهدئة والتطبيع .
فأزمات وتلاسن وسحب السفراء وتجميد العلاقات الدبلوماسية ليست أكثر من مقطع ترويجي أمام الرأي العام والإعلام العالمي.
لكن بعيدا عن الأضواء؛ فإن العلاقات التجارية والأمنية والعسكرية محمية بل تتمتع بحصانة كاملة من الجانبين، وخصوصا من تركيا، وهذا ما كشف عنه رفض أنقرة لإلغاء اتفاقية التطبيع مع تركيا رغم الدعوات المتواترة إلى ذلك.
مراقبون يتفقون على أن من يتبنى موقفا مناهضا لإسرائيل، وينتقدها بذلك الشكل الناري، فإن أقل ما يفعله هو إلغاء أي معاملات دبلوماسية أو تجارية أو اتفاقيات سابقة مع الكيان.
تناقض لافت، وتضامن «مزيف» فضحته أيضا أصوات في حزب الشعب الجمهوري المعارض التي تسأل لماذا رفضت القيادات السياسية التركية في الحكم اقتراح زعيم المعارضة كمال كيليشدار أوغلو بتجميد "اتفاقية مرمرة" الموقعة على خلفية التوتر المنبثق عن مجزرة أسطول الحرية.
اتفاقية وقعتها أنقرة مع تل أبيب قبل 3 سنوات منهية حالة التوتر رغم اعتراضات ذوي الضحايا على بنود الاتفاق، ورفضهم له وتمسكهم بمقاضاة القيادات الإسرائيلية التي أشرفت على الجريمة عام 2010، ما يجعل من الغريب أن يقول وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو أن اقتراح زعيم المعارضة «غير واقعي ولا ينفع»؟
الواقع يفند الادعاءات
أقلام عديدة في تركيا ترى أن هذه المرة لن تختلف كثيرا عن سابقاتها، وأن المشهد تقريبا يعيد نفسه بطريقة باتت مكشوفة ومفضوحة.
هي الوصفة ذاتها تتكرر في كل مرة: هجمات كلامية نارية وسحب سفراء، ولا شيء غير ذلك؛ لأن لكل شيء حدوده وخطوطه الحمراء التي لا يمكن تجاوزها.
خطوط حمراء تحظر المساس بمسار العلاقات التجارية والأمنية والسياحية، المتمثلة اليوم في تبادل تجاري ثنائي بقيمة 5.2 مليار دولار، وتحول تركيا إلى هدف سياحي مركزي للمواطنين الإسرائيليين.
كما أن حاجة الطرفين إلى بعضهما في تقديم الخدمات المتبادلة سواء فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية أو بقية الملفات الإقليمية، وحماية شبكة مصالح واسعة متعددة الجوانب، والاحتفاظ بالخيط الرفيع في التواصل التركي مع قطاع غزة، جميعها معطيات تؤيد التوجه الاستعراضي لما يحصل.
الإعلام العبري نفسه نقل عن قيادات سياسية وعسكرية أن إسرائيل فوجئت بالتصعيد التركي على هذا النحو، وأن تل أبيب ترد وسترد حتما على كل خطوة ضدها.
فإسرائيل تمتلك الكثير من الأوراق التي تستطيع أن تلعبها ضد حكومة العدالة والتنمية، لكنها مقتنعة بأن ما يجري هو أزمة ظرفية سببها الأساسي الانتخابات التركية المقبلة، وحاجة حزب العدالة والتنمية لتجييش وتعبئة القواعد وكسب أصواتها في مواجهة الكثير من الأزمات المالية والاقتصادية والسياسية الداخلية.
كما أن تل أبيب على يقين بأن القيادات السياسية التركية لا تريد ضرب مسار العلاقات، وإنما كل ما يجري هدفه كسب الرأي العام التركي في هذه الظروف الصعبة المحدقة بالرئيس رجب طيب أردوغان.
غير أن السؤال الذي يطرح نفسه في خضم كل هذا يظل: لماذا تكتفي أنقرة بالتصعيد ضد تل أبيب ولا تبدي موقفا مماثلا ضد واشنطن؟
فأردوغان يقول إن الولايات المتحدة خسرت دورها كوسيط محتمل في عملية السلام بالشرق الأوسط، من خلال قرارها نقل سفارتها إلى القدس.
كما ندد بالخطوة الأمريكية التي تتجاهل الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، مشيرا إلى أن التاريخ "لن يسامح الولايات المتحدة وإسرائيل على ما ارتكبتاه".
لكن المعارضة التركية تسأل عن أسباب الاكتفاء بالتصعيد السياسي والاعلامي مع تل أبيب، مع أن القيادات السياسية التركية تحمل واشنطن المسؤولية في إيصال الأمور إلى هذه الدرجة من التوتر؟ لماذا يكون التصعيد ضد تل أبيب دون اتخاذ أي اجراءات أو تدابير ضد واشنطن نفسها؟
aXA6IDE4LjIxOC43My4yMzMg جزيرة ام اند امز