إدلب والتوتر التركي الروسي.. أرض الحسم ومقبرة أطماع أردوغان
الجيش التركي يمتلك 12 نقطة مراقبة عسكرية أقيمت في إطار اتفاق منطقة "خفض التصعيد" في إدلب.
تحذيرات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، قبل يومين، بشأن إدلب، تفجر ذات الاستفهامات حول الأهمية الاستراتيجية التي تمثلها المحافظة السورية بالنسبة لأنقرة.
أهمية محورية تجعل أردوغان يخاطر بالدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا في شمالي سوريا، فقط من أجل الحفاظ على تمركز قواته في إدلب وبنقاط المراقبة التابعة لأنقرة فيها.
ويمتلك الجيش التركي 12 نقطة مراقبة عسكرية أقيمت في إطار اتفاق منطقة "خفض التصعيد" في إدلب.
والثلاثاء، حذر أردوغان بوتين من رد عسكري أقوى في حال استهدفت قوات الجيش السوري مجددا القوات التركية في إدلب، مشددا على أن أنقرة لن تسمح لدمشق بالسيطرة على مزيد من الأراضي بالمحافظة.
وفي تصعيد لافت ضد موسكو، أكد مندوب تركيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فريدون سينيرلي أوغلو، الجمعة، أن بلاده لن تسحب قواتها من إدلب ولن تترك نقاط المراقبة فيها.
وفي كلمة بجلسة مجلس الأمن الدولي لمناقشة التوتر والاشتباكات المتزايدة في إدلب، اعتبر سينيرلي أوغلو أن "أي استهداف لأمن تركيا وجنودها لن يمر دون عقاب".
وتابع: "لن نتردد في ممارسة حقنا في الدفاع المشروع عن النفس. لا أتحدث عن خطنا الأحمر هنا ، إنما هذا تحذير"، وفق ما نقل إعلام تركي رسمي.
من حلفاء إلى أعداء
روسيا وتركيا وإيران؛ الثلاثي الذي كان حتى وقت قريب ضامنا لعدة اتفاقات حول سوريا، تفككه اليوم إدلب التي يبدو أنها غدت مسرح معركة يحول الحلفاء إلى أعداء.
تفكك لا يعد وليد الأمس القريب، مع استبعاد شبه تدريجي لمليشيات طهران التي تحولت إلى عبء في ضوء أطماعها الجامحة في مرحلة ما بعد الحرب والإعمار، تضاف إليه ملامح توتر يعصف بالعلاقات بين موسكو وأنقرة، ويقوض اتفاقات هشة ذات صلة بالوضع في سوريا.
ورغم الصدع في العلاقات بين الثلاثي، إلا أن مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني مطلع الشهر الماضي، بعثر الأوراق من جديد، ووضع حسابات مغايرة للربح والخسارة، ما مكن موسكو وطهران من التوصل إلى توافق في سوريا، مقابل توتر بدأ يطفو إلى السطح بين روسيا وتركيا.
توتر لم يغادر، في الواقع، ملامح العلاقات بين الجانبين، ذلك أن أرضية أي توافق لم تكن مبنية على أسس متينة، وإنما على مصالح ظرفية سرعان ما تعريها الأحداث وموازين القوى على الأرض، خصوصا أن التحالف مع بوتين يعني آليا الاصطفاف إلى جانب بشار الأسد، الرئيس السوري الذي كان أردوغان من أشد المتحمسين لإسقاطه.
وبمرور الوقت، اكتشف بوتين أن أردوغان أبعد ما يكون عن تنفيذ حصته من الاتفاقات، خصوصا المتعلقة منها بحسم ملف المقاتلين والجماعات المسلحة، وهذا ما بدأ بخلق شرخ في العلاقات التركية الروسية في سوريا.
ومثلما يعول أطراف الصراع السوري على إدلب لحسم الأزمة، فإن المحافظة نفسها ستحدد الملامح المستقبلية للعلاقات بين موسكو وأنقرة، في وقت يبدو أن الإحداثيات على الأرض بدأت تمضي عكس بوصلة الاتفاقات الهشة والتوافق المؤقت بين تركيا وروسيا.
فتواتر الغارات التي ينفذها الجيش السوري على إدلب يعني أنه حصل على الضوء الأخضر من روسيا وطهران للقيام بذلك، ما يعني أن الهدف من الحلفاء هو كبح النفوذ التركي في المنطقة، وإرسال موجة جديدة من اللاجئين إلى تركيا.
لعبة ضغط عسكري جعلت أردوغان يمر إلى مرحلة التهديد، سعيا نحو ربح وقت يمكنه من ناحية من ضمان عدم تدفق اللاجئين إلى بلاده من جديد، والمحافظة على حصته المستقبلية من الكعكة السورية.
أزمة إنسانية جديدة على أبواب تركيا
تعجرف تركي، وفق خبراء، ينذر بتصعيد التوتر مع موسكو، متجاهلا الأرضية الهشة التي تقف عليها التوافقات الثنائية في سوريا.
وعلى الرغم من أن مصادر تركية تؤكد أن التحذير التركي ليس سوى ورقة ضغط يسعى من خلالها أردوغان لتحسين شروط التفاوض والأطماع، وإظهار نفسه في موقع القوة والسيطرة، إلا أن الرجل أغفل أن موقفا مماثلا قد يفتح أبواب التصعيد في إدلب، وينذر بأزمة إنسانية جديدة قد تدك أبواب أنقرة.
وهنا تجد تركيا نفسها بين حلّيْن يصبان في ذات النتيجة المُرّة بالنسبة لها، فإما أن تتجاهل غارات الجيش السوري وحلفائه على إدلب، ما يهدد بموجة لجوء جديدة، وإما أن تصعد من لهجتها ضد موسكو، وتدخل في مواجهة عسكرية معها، فتكون النتيجة واحدة.
وأكثر ما تخشاه تركيا فيضان جديد للاجئين، في ظل اقتصادها المنهك، وتزايد المشاعر المعادية للعرب جراء استفحال البطالة وتردي الأوضاع المعيشية بفعل تدفق اللاجئين، ما يجعل من الصعب على أردوغان الترحيب بالمزيد من اللاجئين السوريين.